ورمحي، في الذي يستظهر به عند ملاقاة الأعداء وفلانٌ ترسي وجنتي، فيمن يتقى به من الأسواء. وإنما قال في هذا الوجه أرماحاً بأيدي عدونا لأنه إذا كنى عنهم بما يكون آلة جعلها باليد. ويقال شحذت السكين، إذا أحددته. والباء من قوله " بأيدي " يتعلق بمضمر، كأنه قال أرماحاً مستقرة وحاصلةً بالأيدي. والعدو يقع على الواحد وعلى الجمع. وفي القرآن " فإنهم عدوٌ لي ".
عليك بجار القوم عبد بن حبترٍ ... فلا ترشدن إلا وجارك راشد
هذا الكلام بعثٌ وتحضيضٌ على مراعاة العهود والذمم، وصيانة الجار من الاهتضام، وإن لام فيها اللوائم. فيقول: انتصف لجارك وانتقم له بأن تؤثر في جار القوم، فإنك لا تكون راشداً إلا وقد رشد جارك معك. ويقال رشد يرشد، ورشد يرشد، لغتان. والباء من قوله:" بجار " يتعلق بعليك، لأن معنى عليك خذ. ويقال خذ كذا وخذ بكذا. يقال أيضاً عليك كذا وبكذا. ودخول النون الخفيفة في قوله " ترشدن " لأنه ليس بواجبٍ فهو يجري مجرى الأمر والنهي والاستفهام.
فإن غضبت فيها حبيب بن حبترٍ ... فخذ خطةً يرضاك فيها الأباعد
الضمير في " فيها " للفعلة والخطة. ألا ترى قوله " فخذ خطةً يرضاك فيها الأباعد ". والمعنى: إن تسخط ما تتكلفه لجارك من الذب عنه والانتقام له هؤلاء القوم فلا تبال بهم، وخذ في أمره ما يحمدك الأباعد دون الأقارب، فإن الأخبار إذا انتشرت عنك بالوفاء استرجحك الأجانب. وخذل الجار وتسليمه إيثاراً لهوى الأقارب، ومجانبةً لكراهتهم، يجلب الذم ويلحق العار.
إذا طالت النجوى بغير أولي القوى ... أضاعت وأصغت خد من هو فارد
هذا بيان الرأي في قبول ما أشار به، وترك التعريج على غيره. والعامل في " إذا طالت " أضاعت، وهو جوابه أيضاً. فيقول: إذا طالت المناجاة وامتدت الاستشارة مع غير أرباب الآراء القوية ضيعت المستشير وأمالت خده، وصار في الانفراد بما يعانيه بمنزلة من لا ناصر له ولا مشير، لوقوع التشاور على غير حده، وتقصير المشير في القيام بواجبه، وقد جمع بين فعلين في قوله " أضاعت " و " أصغت " فأعمل الثاني، وهو المختار عند أصحابنا البصريين. ويجوز أن يكون مفعول أضاعت غير " خد من " فحذفه، كأنه قال أضاعت ربها. وكان الحكم في هذا الوجه أن يقول لو أظهر المفعول: وأصغت خده لكونه فارداً وحيداً، لكنه لما كان الآخر هو الأول وقد