للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لو لم يرد الإضافة لنون يابوس في النصب، لكونه نكرةً، أو كان يجعله معرفةً مبينةً على الضم. وقد أتى الشاعر في باب النفي على أصله في الإضافة فقال:

أبالموت الذي لا بد أني ... ملاقٍ لا أباك تخوفيني

والذي يدل على أن هذه الإضافة لا تخصص أن لا قد عمل معها، وهو لا يعمل إلا في النكرات. ومعنى البيت أنه على وجه التعجب دعا بوس الحرب التي حطت أراهط وأذلتهم حتى استسلموا للأعداء، وألفوا وضع الحرب، وحالفوا الراحة، وآثروا السلامة. وهذا الكلام فيه مع القصد إلى التعجب تهكمٌ وتعبيرٌ؛ كأنه أراد: ما أبأس الحرب التي فعلت ذلك. وقوله " فاستراحوا " فيه تهكمٌ وبيانٌ لاستغنامهم ذلك، وميلهم إليه؛ كأنهم عدوا نفض اليد من مجاذبة الأعداء ومراقبتهم والاحتراز من مكايدهم، لظهور عجزهم، وتصورهم بصورة من لا يحتفل له، ولا يستظهر عليه، ولا يتقى منه - سلامةً وراحةً، وإن كان سقوطاً ومهانةً. وكل ذلك لخروجهم عن ملكة العزة، واطراحهم قناع الحمية. وأراهط جمعٌ، يقال رهطٌ وأرهطٌ وأراهطٌ. والرهط يقع على ما دون العشرة - ولذلك جاز أن يضاف ما دون العشرة من أسماء الآحاد إليه - وفارق الخيل والغنم والإبل.

والحرب لا يبقى لجا ... محها التخيل والمراح

يقال: جحمت النار فهي جاحمةٌ، إذا اضطرمت؛ ومنه الجحيم. وهذا الكام جارٍ مجرى ما قبله، وفيه إزراءٌ بالذين ذكرهم، وإيهامٌ بأنهم كانوا أصحاب خيلاء وبطرٍ، ومراحٍ ونزقٍ، فلم تثبت أقدامهم عند اللقاء، ولا صبرت أنفسهم أوان الكفاح، فقال معرضاً: لا يبقى لنار الحرب كبرياء المتكبرين، ولا نشاط المرحين، بل يستبدلون بهما اللين والكسل، والانخزال والفشل، والصبر على الامتهان، والاستسلام عند الامتحان. وقوله " لا يبقى لجاحمها التخيل " يجوز أن يريد به صاحب التخيل، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وحينئذٍ يكون البدل في إلا الفتى - وهو أول البيت الذي يليه منه، وجه الكلام ومختاره؛ لأن الثاني يكون

<<  <   >  >>