للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء، فاستعاره للقدور. فأما قوله منقع البرم فقد قيل فيه ما ذكرنا وغيره. وقد روي منقع البرم، بكسر الميم، وفسر على وعاء القدر وذكر الباع مثلٌ، والمراد الكرم. فعلى الطريقة الأولى يكون معنى البيت: يسمع لقطع اللحام بأيدينا دهدقةٌ، لقلة رفقنا فيه وسوء حذقنا به، كما قال الآخر:

جفاة المحز لا يصيبون مفصلاً ... ولا يأكلون اللحم إلا تخذما

على الطريقة الثانية يكون المعنى: تغلي قدورنا بفدر اللحم، فإذا قلبناها فيها إقامةً لخدمة الضيف، واكتساباً للحمد، ورغبةً في ابتناء المجد، تقلبت ولها صوتٌ، لعظمها واتساع قدورها. وبعض الناس - وهذا تعريضٌ بالغير - تغلي قدوره التي كأنها مناقع في الصغر بذم الناس له. فقوله " بذمٍ " في موضع الحال، تقديره: تغلي مذمومةً.

ويحلب ضرس الضيف فينا إذا شتا ... سديف السنام تستريه أصابعه

يروى " ضرس الضيف " بالرقع على أن يكون فاعلاً، وسديف بالنصب على أن يكون مفعولاً، وهو الجيد. ويعضهم ينصب الضرس ويرفع سديف السنام، والمعنى لا يلتبس في الوجهين. يقول: وإذا اشتد الزمان، وأسنت الناس، فإن الضيف فينا يأكل سديف السنام، من الإبل السمان، على ما تختاره أصابعه في الجفان. والسديف: قطع السنام. وقيل هو شحم السنام. ومعنى إذا شتا، إذا أمحل. وذكر الحلب كنايةٌ عن الأكل. والمعنى: إنا لا نرضى بنحر الكسيرات المهزولات، بل نعتبط خيار الإبل وكرائمها عند حلول الضيفان. وتستريه: تختاره، يقال استسريت الشيء أيضاً. والسري: الخيار من كل شيء. وموضع تستريه نصبٌ على الحال للسديف، والعامل فيه يحلب، كأنه قال تحلبه الضرس مختاراً بالأصابع.

منعنا حمانا واستباحت رماحنا ... حمى كل قومٍ مستجيرٍ مراتعه

يقول: إذا أحمينا مكاناً ذببنا أعداءنا عنه، ولا يجسر أحدٌ منهم على دخوله، ومتى شئنا استبحنا أحمية الناس لعزنا وفضل قوتنا، ولاستسلام القبائل لنا، وإن كانت الأحمية مستجيرة المراتع. وقوله " مستجيرٍ مراتعه " الهاء يرجع إلى حمى كل قومٍ،

<<  <   >  >>