لأن المراد لا أبرح. فإن قيل: إذا كان القسم يتناول ما ذكرت من قوله لا أثقف فما معنى قوله آليت؟ وهل يصح أن يقال إني حلفت والله لا أفعل كذا؟ قلت إن قوله آليت دخل مؤكداً للقسم على أحد وجهين:" أحدهما " أنه لما تطول الكلام باليمين وبعد ما بين إن وخبره ذكر آليت، ثم أتى بما هو الجواب، ليكون كالمعيد لليمين، والمجدد لما خاف من دروس رسمها. و " الثاني " أنه لما كان آليت لو اكتفى به مغنياً عن ذكر المقسم به صار كتكرار اليمين، فجرى مجرى قوله لو قال والله والله، وما أشبهه. فأما قوله " فتنظر عينه في مالها " فلفظه لفظ الجواب، والمعنى معنى الحال، والصفة للنكرة التي قبله، كأنه قال: لا أظفر أبداً بذي لحيةٍ إلا لم ننظر عينه في ماله. ومثله من أبيات الكتاب قول الفرزدق:
وما قام منا قائمٌ في ندينا ... فينطبق إلا بالذي هو أعرف
لأن المعنى ناطقاً. فإن قيل: هل يجوز أن يكون جواباً؟ قلت لا، وذاك أن المعنى يفسد وينعكس، لأن التقدير حينئذٍ يكون لا أثقفه، فكيف ينظر؟ أي لو ثقفته لنظر، لأن في وجه الجواب يتعلق وقوع الثاني بوقوع الأول، ويمتنع بامتناعه، وفي هذا خروجٌ عما يقصده المتكلم. ومثله في باب الواو:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
لأن المعنى آتياً مثله.
وخمار غانيةٍ عقدت برأسها ... أصلاً وكان منشراً بشمالها
تبجح في هذا البيت بأنه يغيث المذعورين فيؤمنهم. والغانية: التي تستغني بجمالها عن الحلي، وقد مضى القول مستقصىً فيه. ومعنى البيت: رب امرأةٍ تبرجت متبرزةً من خدرها حاسرة الرأس، مطارة القناع، منشورة الخمار، لما استولى عليها من الخوف، وامتلكها من الروع والغارة الطالعة، والخيل العادية، حتى كأن خمارها طول نهارها منشورٌ على شمالها، وهي لا تشعر أني أنا آمنتها وحفظت عليها صيانة نفسها، رددت إليها عازب عقلها حتى اختمرت وأمنت ما