كانت تقلق لها، وسترت وجهها. وإنما قال أصلاً، لأن الغارة كأنها وقعت أول النهار، ولحوقه للإغاثة والتدارك بعقبها، فحصل الأمن عشيةً. وفي طريقته لعنترة:
ومرقصةٍ دفعت الخيل عنها ... وقد همت بإلقاء الزمام
وعقيلةٍ يسعى عليها قيمٌ ... متغطرسٌ أبديت عن خلخالها
لما قدم في البيت الأول قدم أتى في الثاني بما يضاده، ليرى أنه كما يدفع الشر والبلاء يوقعه أيضاً، حتى يكون جامعاً للضر والنفع، كافياً في الدفاع والوقاع، فيقول: ورب كريمة حيٍ، بعلها أو ذو محرمها القائم بأمرها متكبرٌ أنفٌ، يرى صيانتها عن التكشف ديناً، وحفظها عن التبذل كرماً، أنا أخرجتها من خدرها، وأحوجتها إلى العدو وطلب التملس مشمرةً عن ساقها، مبديةً خلخالها، مذيلةً مصونها. أي كما آمنت خوفت، وكما سكنت أقلقت.
وكتيبةٍ سفع الوجوه بواسلٍ ... كالأسد حين تذب عن أشبالها
قد قدت أول عنفوان رعيلها ... فلففتها بكتيبةٍ أمثالها
يذكر أنه يجمع بين الجيشين العظيمين مدبراً لهما، ومرسلاً أحدهما على الآخر، وأنه على ذاك يكون المتقدم والمشاهد، والمرتب والصادم. فيقول: رب كتيبةٍ قد تعودت الغارات والصبر على الإبعاد فيها، فاسودت ألوانها بما تقاسيه من التعب، وتديم لبسه من الأسلحة، وكأنها في بأسها ونجدتها، وما تأوي إليه من قوتها وشدتها، الأسد إذا ذبت عن جرائها، ودفعت عن خيسها، أنا قدت أوائلها فخلطتها بأمثالها، وقابلتها بنظائرها من أولى العدد والعدة، والجلد والشدة. فإن قيل: لم قال " أول عنفوان رعيلها " والعنفوان هو الأول، على ذلك قولهم فعلت كذا في عنفوان الشباب؟ قلت: كأنه أراد قدت سوابق أوائلها؛ فأضاف الأول إلى العنفوان لذلك. وكما قاد الأوائل والسوابق فقد قاد الأواخر واللواحق، ولكن جعل القود لمن وليه، وجعل ما بعدهم كالتابع. يريد أنه تقدم ووطئ عقبه الأعيان والأفراد، ثم احتف بهم غيرهم. وحقيقة العنفوان اعتنفت الشيء، أي استأنفته. والرعيل من الخيل والرماح: