أيليت. وهذا الكلام منه استشهادٌ بمن دافع عنهم. وخبر أن فيما بعده، وهو قوله " جعلت لبان الجون ". وغداة لقينا ظرفٌ له. فإن قيل: هلا جعلته ظرفاً لعلم أو للقينا؛ قلت: لا يجوز أن يكون ظرفاً لعلم، لأنه إذا جعل كذلك صار أجنبياً مما دخل في صلة أن، وحائلاً بينه وبين خبره، والفصل بين الموصول وما في صلته بالأجنبي منه غير جائزٍ. ولا يجوز أن يكون ظرفاً للقينا، لأنه مضافٌ إليه، والمضاف لا يجوز أن يكون عاملاً في المضاف.
جعلت لبان الجون للقوم غايةً ... من الطعن حتى آض أحمر وارسا
جعلت ها هنا عدى إلى مفعولين لأنه بمعنى صيرت. واللبان: الصدر من الفرس. والورس: صبغٌ أحمر معروف. وثوبٌ ورسٌ ووارسٌ. وأورس الرمث، إذا اصفر ثمره، فهو وارسٌ، وهو أحد الحروف التي جاءت على أفعل فهو فاعلٌ؛ ولا يقال مورسٌ. وربما فسر الورس على الزعفران. يقول: ثبت في وجوه القوم فصيرت صدر فرسي للطعن وموقعاً، حتى صار لسيلان الدم عليه أحمر كالورس.
وأرهبت أولى القوم حتى تنهنهوا ... كما ذدت يوم الورد هيماً خوامسا
يقول: خوفت أوائلهم حتى كفوا وتنكسوا، كما تكلف إبلا عطاشاً وردت لخمسٍ، فازدحمت على الماء يوم الورود. والهيم: التي بها الهيام، وهو داءٌ يصحبه العطش الشديد. جعل أوائلهم تتبادر وتزدحم حرصاً على القتال، مبادرة الهيم وازدحامها على الماء وردت لخمسٍ. وهذا التشبيه من باب التصوير، وقد تقدم القول في شرحه. وقوله:" تنهنهوا كما ذدت " يجوز أن يكون أراد حتى ذدتهم كما ذدت، فوضع تنهنهوا بدله ودالاً عليه. ويجوز أن يكون أراد: كما نهنهت يوم الورد إذا ذدت هيما، فوضع ذدت موضعه. ويجوز أن يكون المراد: أرهبتهم كما أرهبت، فوضع ذدت موضع أرهبت، وهذا أقرب.
وبيضاء من نسج ابن داود نثرةٍ ... تخيرتها يوم اللقاء الملابسا
الباء من قوله " بمطردٍ " تعلق بقوله أرهبت. فيقول: خوفتهم بالبروز لهم، ومعالنة ذوي الحشمة بالتنكر معهم، والشد عليهم برمح مسوى لينٍ صحيح الكعوب والأناييب، وسيفٍ ذي ماءٍ، قاطعٍ نافذٍ في القوانس، لا ينبو ولا يرتدع. ومعنى الاطراد في الرمح تقومه وتوافق أنابيبه عند الهز. والقوانس: أعلى البيض؛ وقونس