والانقياد، حتى كادوا يغلبون عليها، ويمنعون من حقوقهم فيها، لما يظهر على صفحات أحوالهم من التخاذل، ويبنون أمورهم عليه في التهاون والتواكل.
بكر المطي وإنعابه ... وبالكور أركبه والقتب
الباء من قوله " بكر " تعلق برددت. ويروى:" بكرى المطي "؛ وساغ الوجهان لأن المصدر يضاف إلى المفعول كما يضاف إلى الفاعل. ومراده أن يبين كيف كانت نيابته عنهم، ومدافعته دونهم، وكيف جاذب أعداءهم وجادل عنهم، حتى توصل إلى قمعهم، ونزع أيديهم عما أنشبوها فيه من أملاكهم، وردهم دون ما سوغوه من اهتضامهم. والقتب أخف من الكور. وإنما ذكر هذه المراكب ليبين تطاول الأمد بينه وبنيهم، وتحمل أنواع المشاق اللاحقة في نزاعهم، وليدل على كثرة مناقلاتهم، واختلاف التردد في مجالسهم وأماكنهم.
أخاصمهم مرةً قائماً ... وأجثو إذا ما جثوا للركب
انتصب قائماً على الحال؛ ونبه بما أورده على امتداد المجازبة، وتكرر المحاجة، وعلى اختلاف الهيئات وتغير الأوقات، وكل ذلك بحسب اشتداد سورة الخصام ولينها؛ وأنه تكفل بالأمر معهم تكفل من تعين عليه الفرض في مرادتهم، فابتدل نفسه معهم، ووطنها على مصابرتهم، فإن قاموا قام معهم، وإن بركوا باراهم في بروكهم، لئلا يكون مخلاً بمعرضٍ يخرجون فيه، أو تاركاً لشيءٍ من نصبهم. ويقال: جثا لركبته، إذا سقط.
وإن منطقٌ زل عن صاحبي ... تعقبت آخر ذا معتقب
فصل بين إن والفعل بقوله " منطقٌ "، ولو ظهر تأثيره بالجزم لم يجز فيه. وارتفع بفعلٍ هذا الظاهر تفسيره. فإن قيل: فإن في أي الفعلين عمل؟ وهل تقول إنه عمل فيهما جميعاً؟ قلت: أما عمله فيهما فغير سائغ، لأن أداةً واحدةً لا تجزم شرطين في حالةٍ واحدةٍ، لكن الفعل المضمر لما لم يظهر صار في حكم ما لم يعتد به، وإن كان الاسم يرتفع به، حتى صار التقدير: وإن زل منطقٌ زل عن صاحبي. وقد روى " تعقبت " و " تعرقبت "، ومعنى تعقبت تتبعت وطلبت عقبه؛ ومثله اعتقبت. وقيل المعتقب أخد عقبه الشيء، وهي آخره. ومعنى تعرقبت: عدلت عنه وأخذت في