للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان زجاراً فلذلك قال ما قال. وخبر لعمري محذوفٌ، كأنه قال لعمري قسمي. ولقد جواب القسم مع ما بعده. والقسم كما يقع بالمفرد يقع بالجملة. وأنث الطير لأنه أراد الجماعة، فلذالك قال مرت. وآنفاً انتصب على الظرف، والمعنى فيما ائتنف من الوقت، وإنما عاف هذه العيافة التي أشار إليها فيما دار بين قومه من الشر، وكأنه آمن بما أوجبه مرور الطير في حلمه، فلذلك قال بما لم يكن من بدٍ. ومن بدٍ موضعه اسم لم يكن، وخبره محذوف، لأن التقدير بما لم يكن بدٌ من وقوعه إذ مرت الطير. وهذا كما يقال ما جاءني من رجل في اللفظ، وإن كان التقديران مختلفين. ومعنى قول القائل لا بد من كذا: لا اتساع في الاستغناء عنه. ويقال رجلٌ أبد وأمرأةٌ بداء، إذا تباعد إحدى فخذيه عن الأخرى، وبددت الشيء أبده، إذا جزأنه أجزاءً في القسم. ويقال هات بدتي، أي نصيبي، ومنه يقال استبد فلان بكذا إذا اختص.

ظلت أساقي الهم إخوتي الأولى ... أبوهم أبي عند المزاح وفي الجد

يقال: ظل يفعل كذا، إذا فعله نهاراً، ثم يتوسعون فيه، ويجري مجرى صار يفعل كذا يدل على ذلك قوله تعالى: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً " ألا ترى أن البشارة بالأنثى تتفق كل وقتٍ من ليلٍ ونهارٍ. وقوله أساقي الهم يجوز أن يريد به الغم، كأنه كان يباث إخوانه وأصفياءه لما كان يدور عليه أمر عشيرته من الخلاف المؤدي إلى التقالى والتحزب، وما كان يخافه من التفاني عليهم عند التجارب. والأولى في معنى الذين، والجملة التي بعده من صلته. وقوله أبوهم أبي عند المزاح وفي الجد يجري مجرى التأكيد للأخوة، والتحقيق للتشابك، والممازجة بالنسبة، والمعنى: على كل حالٍ إذ لا ثالث لهما. ووضع المزاح موضع الهزل. ومثل هذا في معنى التأكيد، وإن كان لفظة لفظ البدل قولهم: جاءني بنو تميمٍ صغيرهم وكبيرهم، صريحهم وهجينهم، وما أشبهه. ويجوز أن يريد بالهم مصدر هممت بالشيء، كأنه اجتمع مع إخوته ليوافقهم على رأي يبنون أمرهم عليه مع الفساد الظاهر له بين ذويه وفصيلته. ويروى المزاح بضم الميم فيكون اسماً، والمزاج بكسر الميم فيكون مصدر مازحت.

كلانا ينادي يا نزار وبيننا ... قناً من قنا الخطى أو من قنا الهند

كلا اسم مفردٌ يؤكد به المثنى، كما أن كلاً اسم مفردٌ يؤكد به المجموع. والمراد به هنا كل واحدٍ منا، لذلك قال ينادي. والمعنى إن اعتزاء كل واحد من

<<  <   >  >>