للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به ما يرجع، ويجوز أن يكون بمعنى ما ينفع. ويقال: هذا أرد عليك، أي أنفع. وموضع " ما " يجوز أن يكون مفعولاً، ويجوز أن يكون مبتدأً.

أأمكنت من نفسي عدوي ضلةً ... ألهفى على ما فات لو كنت أعلم

قوله أأمكنت لفظه الاستفهام، ومعناه التقريع والتوبيخ. وهذا الكلام هو صريح لومه لنفسه، فيجوز أن يكون حذف قبله لفظة قائلٍ، كأنه قال: إني لائمٌ لنفسي وقائلٌ أأمكنت. ويجوز أن يكون استأنف عذل نفسه من بعد أيضاً. وقوله ضلةً مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولاً له، أي فعلت ذلك ضالاً أو لإضلالي. وأصل الضلال الذهاب عن القصد. ويقال ضللت مكاني، بكسر اللام وفتحها، إذا لم تهتد إليه وأضللت بعيرى، إذا شرد فذهب عنك. وقوله ألهفى على ما فات تحسرٌ وتأسفٌ، وهو كلامٌ مستقل بنفسه. وقوله لو كنت أعلم تندمٌ على ما قصر فيه من النظر والفحص، والكشف عن عقبي الأمر. وأعلم مفعوله محذوف، وهو بمعنى أعرف، فيكتفي بمفعول واحد، كأنه أراد: لو كنت أعلم مغيبه. وجواب لو محذوفٌ، أي لو علمت ما نتدمت ولا شقيت، وهذه اللفظة هجيري كل متوانٍ في الشيء حتى يفوته أو يكابد المكروه فيه. والبيت على ثلاثة فصولٍ، كل فصلٍ منها ينفرد بمبناه ولا يفتقر إلى سواه. فالأول قوله أأمكنت من نفسي عدوي ضلةً كأنه يستنكر ما أتفق منه ضلالاً، فأخذ يستفهم تقريعاً وعتاباً. والثاني ألهفى على ما فات، وقد تقدم القول في إعراب ألهفى. والثالث قوله لو كنت أعلم أي لو علمت لتحزمت.

لو أن صدور الأمر يبدون للفتى ... كأعقابه لم تلفه يتندم

هذا معذرةٌ فيما سها عنه ومسلاةٌ عما بلي به فتحزن له. وقوله لو أن صدور الأمر، هو حذف المضاف، والمراد: لو أن مؤديات صدور الأمر ومسبباته تظهر للفتى كما تظهر له عند أعجازه، لم تره نادماً على فائتٍ، ولا جازعاً إثر هالك. وفي طريقته قول ابن الرقيات:

في مقبل الأمر تشبيهٌ ومدبره ... كأنما فيه بالليل المصابيح

لعمري لقد كانت فجاجٌ عريضةٌ ... وليلٌ سخامي الجناحين أدهم

إذ الأرض لم تجهل علي فروجها ... وإذ لي عن دار الهوان مراغم

<<  <   >  >>