هذا تذكرٌ لموارد مخلصه من الأمر الذي لز به، والبلاء الذي استأسر له، وتحسرٌ في عدوله عن مدارج الحزم فيه، وانتهاز الفرصة في الممكن منه، اغتراراً بما لم يجز السكون إليه، وانتظاراً لما لم يصلح الاعتماد عليه، حتى يتمكن طالبه من مراده فيه، وانسدت الطرقات بينه وبين ما يرومه من بعدٍ عنه، واحترازٍ منه؛ فقال متهافتاً: لعمري لقد كانت لي سبلٌ واسعةٌ يمكنني سلوكها، لا مدافع دونها ولا ممانع، وليلٌ أسود الطرفين مظلم، يسترني إذا ركبته، ويساعدني على مجانبة ما أحذره، لا مجاذب عنه ولا منازع. وكان من قوله لقد كانت فجاجٌ هو كان التامة المستغنية عن الخبر. وقوله وليلٌ سخاميٌ فالسخام: الأسود، كأنه يريد سرار الشهر؛ ومنه سخم الله وجهه، أي سوده. والسخامي المنسوب، في معناه، ومثله الدواري والدوار من قوله:
والدهر بالإنسان دواري
ويجوز أن يريد بالسخامي الجناحين، اللين وقلة الآفات في جوانبه؛ فإن السخام الريش اللين تحت الجناح، لأن قوله أدهم قد دل على الظلمة.
وقوله إذ الأرض إذ لما مضى، وقد شرح بالجملة التي أضيف إليها ومعنى لم تجهل على فروجها، أي ثغورها ومواضع المخالفة منها كانت على معالم لا مجاهل، فأدري كيف آتيها، وأنفذ في قطعها والخروج منها، لا أتهيب ولا أتحير. ويقال جهل فلانٌ على، إذا شق عليك، قال الشاعر:
جهلاً علي وجبناً عن عدوهم ... لبئست الخلتان الجهل والجبن
وقوله وإذ لي عن دار الهوان مراغم الأصل في المراغمة الهجران، يقال فلانٌ يراغم أهله أياماً ثم يرجع. وفي القرآن:" يجد في الأرض مراغماً كثيراً "، أي متسعاً لهجرته.
فلوشيت إذ بالأمر يسرٌ لقلصت ... برحلي فتلاء الذراعين عيهم
عليها دليلٌ بالبلاد نهاره ... وبالليل لا يخطي لها القصد منسم