لما التقى الصفان واختلف القنا ... والخيل في رهج الغبار أزوم
في النقع ساهمة الوجوه عوابسٌ ... وبهن من دعس الرماح كلوم
يممت كبشهم بطعنة فيصلٍ ... فهوى لحر الوجه وهو ذميم
لما هذه علمٌ للظرف، وهو لوقوع الشيء لوقوع غيره، وجوابه يجيء من بعد، وهو قوله يممت كبشهم. فيقول: لما تواقف الفئتان في مصافهم، واشتجرت الرماح بالطعن بينهم، والدواب غواض على لجمها في القتام الساطع، متغيرة الألوان لاشتداد الشر اللازم، كوالح الوجوه لما يقع بها من الطعن الدراك، والدفع بالرماح، قصدت رئيسهم بطعنة رجلٍ يقضي الأمر، ويفصل العمر، فسقط لوجهه وهو مذمومٌ لعتوه وبغيه. وقوله أزوم جمع آزمٍ، والأزم: الإمساك والعض، وكني به عن الحمية فقيل:" نعم الدواء الأزم ".
وقوله في النقع الأجود أن يكون مصدر نقع الشر والصوت والموت، إذا كثر وارتفع، وأن يعدل به عن الغبار، لأنه قال: في رهج الغبار. ومعنى رهج الغبار: ما أثير من الغبار. وقوله ساهمة الوجه السهوم: تغير اللون مع هزلٍ ويبوسٍ. والدعس: الطعن وشدة الوطء. ويقال طريقٌ مدعاسٌ، أي مذللٌ؛ ورجلٌ مدعسٌ شديد الطعن.
وقوله فهوى لحر الوجه فالحر من كل شيء أعتقه، وقال الخليل: حر الوجه: ما بدا من الوجنة. حرة الذفرى: موضع مجال القرط.
ومعي أسودٌ من حنيفة في الوغى ... للبيض فوق رءوسهم تسويم
قومٌ إذا لبسوا الحديد كأنهم ... في البيض والحلق الدلاص نجوم
فلئن بقيت لأرحلن بغزوةٍ ... نحو الغنائم أو يموت كريم
قوله من حنيفة في موضع الصلة لأسودٍ، وفي الوغى ظرفٌ لما دل عليه قوله أسودٌ، وتقديره معي رجالٌ يشابهون الأسود شجاعةً وإقداماً في الحرب حنفيون. والوغى أصله الجلبة والصوت، ثم صار كالاسم للحرب. وقوله: للبيض فوق