للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمشي متثاقلاً. والسحابة تدلح من كثرة مائها. تسح أي تصب. وابلٌ: مطرٌ ضخم القطر. سحوح: كثير الانصباب شديده: إن قيل: كيف جعل السح مرة للحنانة ومرة للوابل، والوابل يكون مصبوباً لا صاباً، وما فائدة من في قوله من وابلٍ سحوح فإن المراد به الكثرة، وهم يجعلون، إذا قصدوا إلى المبالغة، الفعل الواقع بالشيء له. ألا ترى أنهم يقولون: موتٌ مائتٌ، وشعرٌ شاعر. وهذا كما قالوا: سيلٌ مفعمٌ، والسيل لا يملأ إنما يملأ به الشيء. وإذا كان كذلك فالسح من الحنانة حقيقةٌ، والسح من الوابل مجاز، والمراد به ما ذكرنا. على أنه لا يمتنع أن يكون سح من باب فعلته ففعل؛ فقد حكى الخليل: سح المطر والدمع، وقال: هو شدة انصبابهما. ويقال من السح: فرسٌ مسحٌ، أي يصب العدو. وأرضٌ سحاحٌ، أي تسيل من مطرٍ يسير.

وقوله أمي الضريح الذي أسمي يريد الذي أنص عليها وأبينه بذكر اسم صاحبه، إذ لم يكن للضريح اسمٌ يتميز به عن القبور، فكأن بيان الكلام: أسمي صاحبه، فحذف المضاف وهو صاحبٌ، ثم أقام المضاف إليه مقامه، فجاء أسميه، ثم حذف المفعول من الصلة لطولها فبقى أسمىي ومعنى استهلي: صبي. ويقال هل السحاب بالمطر واستهل وانهل المطر انهلالاً. والأهاليل: الأمطار الشديدة الانصباب. ويجوز أن يكون لما وصف السحابة بالحنانة لرعدها كنى عن المطر بالاستهلال، لأنه كالحنين، وهو رفع الصوت بالتلبية وغيرها، فيكون الحنين والاستهلال للرعد والمطر كالسؤال والجواب. فأما قوله على الضريح فتكراره تنبيهٌ على عظم شأنه وفظاعة الفجع به. والتفخم بالتكرير يحصل كثيراً. والضريح: القبر بلا لحد، وهو فعيل بمعنى مفعول، لأنه يقال ضرحوا له ضريحاً. وقال الدريدي: سمي ضريحاً لأنه انضرح عن جالي القبر، أي اندفع فصار في وسطه. وقوله:

ليس من العدل أن تشحي ... على فتىً ليس بالشحيح

يريد: ليس من الإنصاف البخل بمائك وصوبك على فتىً كان لا يبخل بماله، وما يجتدى منه في جاهه وحاله. وهذا ظاهر. وفي طريقته قول أبي تمام:

وكيف احتمالي للغيوث صنيعةً ... بإسقائها قبراً وفي لحده البحر

<<  <   >  >>