تحتجب عن الأبصار بحجابها المعلوم؛ فيا له من يوم ما أطوله. والقليب: موضع. وأضاف الشمس إلى الظهيرة كأنه لما قام قائم الظهيرة وقفت حيرى فلم تكن تجنح إلى المغيب، ولا كانت تسير فتهوى للغروب.
وقوله (ومرجم عنك الظنون) وصفه بأن الآفاق على بعدها كانت قريبة عليه لما أيد به من العزم وتسهل له وفي نفسه من وعورة السير، فيقول: رب مكاشح لك كان على تنائيه عنك، وتحزمه معك، واستظهاره بإبعاد الدار منك، يرجم الظن فيك، ويوسوسإليه ما يعرفه من إبعادك في الغزو، وقلة احتفالك فيما تركبه بلواحق التعب، وعوارض الخطر - أنك تقصد وتوقع به آمن ماكان منك، وهو فيه وسواسه لم يحدث نفسه بتأمل ما وقع في خلده، ولا بالكشف عما ارتاب له، إذ أنت أتيته من حيث لا يحتسبه، واستبحت حريمه، واتسغنمت. وقوله (قبل تأمل المرتاب) يجوز أن يريد به قبل تأمله، فيكون المرتاب هو المرجم المكاشح. ويجوز أن يكون جعله مثلاً.
وقد ألم بهذا المعنى أبو تمام في قوله:
أسرت لك الآفاق عزمة همة ... جبلت على أن المسير مقام
فأفأت أدماً كالهضاب وجاملاً ... قد عدنا مثل علائف المقصاب
لكم المقصص لا لنا إن أنتم ... لم تأتكم خيل ذوو أحساب
وقوله:(لكم المقصص لا لنا) يقول: إن لم تأتكم خيل إذا طلبوا الثأر طلبوه عن إمتعاض وشدة أنفة، وجد في الأمر واجتهاد، فعل الحسيب الكريم الذي لا يغمض عن قذى، ولا يصبر فيما يحق له على أذى، فأنتم أولياء دمه من دوننا، والمالكون له سوانا. وقد تركنا لكم، وفزتم بما أصبتموه، واستمرأتم ما طعمتموه.