فيقول: إذا رغبت عن مواصلتي، وتقطعت حبال الود بيني وبينك ففي الناس واصل غيرك، وإذا نبا بي جوارك، وضاق عني أرضك وديارك ففي جوانب الأرض سعة ومزحل عنك، سيما والتحول عن دار البغض والنبو لى عادة أعتادها، وسنة أسيرها ولا أعدل عنها، وأعلم أنك إذا لم تعط أخاك النصفة ولم توفر حقوقه متوخياً المعدلة، ولم يوجب به عليك مثل ما توجبه لنفسك عليه، ألفيته هاجراً لك، مشارفاً قطيعتك، مستبدلاً بك وبمؤاخاتك إن كانت به مسكة، أو يمتلكه عقل ومعرفة، ثم لا يبالي أن يركب من الأمور ما يقطعه تقطيع حد السيف ويؤثر تأثيره فيه، مخافة أن يدخل عليه ضيم، أو يلحقه عار واهتضام، متى لم يجد عن ركوبه مبعداً ومعدلاً. وكما قال هذا (دار القلى) قال غيره:
دار الهوان لمن رآها داره
وقوله (من أن تضيمه) معناه بدلاً من أن تضيمه. ويجوز أن يريد بركوب السيف على الحرب والموت. وشفرة السيف: حده. والشفير: حرف كل شيء، منه.
وكنت إذا ما صاحب رام ظنتي ... وبدل سوءا بالذي كنت أفعل
قلبت له ظهر المجن فلم أدم ... على ذاك إلا ريث ما أمحول
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل
يقول واذا رأيت صاحبي يتجنى علي ويتجرم، ويتطلب على ما ينتج ظنه ويولد تهممة، وطفق يفبح آثاري، ويبدل حسناتي، اتخذته عدواً، وقلبت له ظهر الترس متقياً منه، ومدفعاً له، ولم أدم على تلك الحال المتقدمة معه إلا قدر ما أتحول، وبطء ما أتثقل. فقوله (رام ظنتي) أي رام ارتفاع التهنة علي. وقوله (بالذي كنت أفعل) أي أفعله، فحذف الضمير استطالةً لصلة الذي.
وقوله (إذا انصرفت نفسي) يريد أني أمد نفسي التصبر ما أمكن، فاذا أعجزتني الحال العارضة عن الاحتمال انصرفت مالكاً عناني، ثم لايثنيني على ما أعرضت (عنه) شيء أبد الدهر. (وقوله بوجه) الباء تعلق بقوله تقبل أي لم تكد تقبل إليه بوجه من الوجوه، وعلى لون من الالوان.