والقرابة، فإن المواخاة مبنية على الأصول الزكية، والنفوس الوفية، لا على الأنسا والأسباب.
وقوله (والمرء يكرم) يقول: ادخر المال واسع في جمعه، وإياك واستعمال التبذير فيه، فإن اليسير منه مع حسن التدبير يتصل بقاؤه، وكرامة المرء متسببة عن غناه، كما أن هوانه في قران فقره. وقوله (والمرء) ارتفع بالابتداء، وخبره يكرم، وقد عطف على هذه الجملة جملة مخلفة لها من التقارب لما صلح ذلك. ومثله قول الآخر:
أموف بأدراع ابن ظبية أم تذم
على العكس من هذا قول الله تعالى: سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون، لأن هذا عطف فيه على المبتدأ والخبر على الفعل والفاعل.
وقوله (قد يقتر الحول) فالحول: الكثير الحيلة. وصحح بناؤه ولم يقل إخراجاً له على أصله، وتنبيهاً أن ما علل من نظائره كان حكمه أن يجيء على هذا. ومما جاء على القياس من نظائره: رجل مال وصات وما أشبههما. وكذلك هذا كان يجب أن يقال حال. والمعنى أن الكثير الحيل، الخراج الولاج، وهو سديد في طرائقه، قد يفتقر فيكون مقلاً، وأن المائق الناقص في عقله، المكتسب بجهله، المرتكب للأوزار بحرصه، قد يستغنى هو فيكون مكثراً، إذ كانت القسم والحظوظ لا تقف علي كيس المرء وخرقه، ولا على تقاه وفسقه.
وقوله (يملى لذاك) أشار بذاك إلى الحمق الأثيم، وبهذا إلى الحول التقى. وقد طابق بذاك وهذا فيقول: أملي لذاك الجاهل وأرخى له الحبل فنال ما نال، وابتلى هذا الحول التقي حتى شقى وحرم، فأيهما المظلوم. والمعنى أن ذلك من قسمة من عرف مصالح خلقه، وعلم ما يتأدى إليه حال كل واحد منهم، فاختار الأحكم في التدبير، والأصلح للصغير والكبير.