يقول: ترى الرجل يسوف بما يلزمه من أداء الحقوق، فيبخل بإخراجه وأدائه، فيموت عما يجمعه ويبخل به، ويتركه للكلالة. والكلالة هم الوارث وقد خلوا من الوالد والولد. وأصله من تكلله النسب، إذا أحاط به. وقيل هو من الكلال: الإعياء؛ كأن بعد النسب أكله. وقوله (مايسيم) يجوز أن يكون مصدراً، كأنه قال: فإسامته لماله للغيرلا لنفسه. ويجوز أن يكون ما بمعنى الذي، وقد حذف الضمير العائد إليه من يسيم، كأنه قال: وللورثة ما له الذي يسيمه. والإسامة: إخراج المال إلى المرعى. ويقال أسمت البعير فسام. ومنه السائمة للمال: الراعية.
وقوله (ما بخل من هو) استفهام على طريق الإنكار. فيقول: ما يغنى بخل من هو للحوادث كالغرض المنصوب للرمي، فإذا علم من نفسه أنه غير مخلد، بل هو منقول من دار الفناء إلى دار البقاء، فلماذا يمسك ولا ينفق، ويجمع ولا يفرق. هذا وقد رأى الأمم الخالية قبله ماتوا وفنوا فعادوا رميماً، كما يهمد النبات فيصير بعد نضارته دريبنا هشيماً، وهو اليابس المتشهم الأسود لطول القدم. والمنون يكون اسماً للدهر فيذكر، ويراد به المنية فيؤنث. وهو من المن: القطع. فلك أن تروى:(وريبه)(وريبها) جميعاً. ومعنى (وريبها) نزولها، قال أبو عبيدة: راب عليه الدهر، أي نزل. وقد يراد بريب الزمان أحدائه وصروفه الرائبة.
وتخرب الدنيا فلا ... بؤس يدوم ولانعيم
كل امرىء ستئيم من ... هـ العرس أو منخها يئيم
ما علم ذي ولد أيث ... كله أم الولد اليتيم
يقول: وإذا كانت الدنيا مبنيةً للفناء لا للبقاء، والخراب لا للعمارة، وكذلك أعراضها مخلوقة للزوال لا للدوام، وقرب الأمد في الاستمتاع بالمعار لا الإملاء، فلماذا يفرح الإنسان بما ينال، ويجزع لما يفوت، وكل بائد غير ثابت، ومستلب غير موفر.
وقوله (كل امرىء) ، يقول: إن الأليفين فيها لابد من فقدان أحدهما للآخر، والبعل يموت فتبقى العرس منه أيماً، لتقدم موته، والعرس تموت فيبقى هو منها أيماً