للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكت عيني اليمنى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا

البشر: جبل. وأعرض دوننا: ابدى عرضه. وحالت: تحركت. يقال: استحلت الشخص، إذا نظرت هل يتحرك. ومنه لاحول ولا قوة إلا بالله! والمعنى: لما تباعدنا عن نجد؛ وحجز بيننا وبينه البشر، تحركت بنات الشوق نوازع كثيرة الحنين، مظهرةً ضعف الصبر. وجواب لما قوله (بكت عيني اليمنى) . وأراد ببنات الشوق مسبباته. وهذا كما قال الآخر:

يضم إلى الليل أطفال حبها ... كما ضم أزرار القميص البنائق

فأطفال الحب كبنات الشوق. والنزع، الأشهر فيه أن يكون جمع نازع بمعنى كاف، فوضعها موضع نوازع، واللفظتان المتواخيتان لكونهما من أصل واحد يستعار ما إحداهما للأخرى. وإنما قال (بكت عيني اليمنى) لأنه كان أعور ممتعا بعينه اليسرى. والعين العوراء لاتدمع. فيقول: بكت عيني الصحيحة؛ فاجتهدت في زجرها عن تعاطي الجهل بعد أن كنت تحلمت وتركت الصبي، فلما تكلفت ذاك لها أقبلت العوراء تدمع معها وتبكي. ونبه بهذا على عصيان النفس والقلب، وقلة ائتمارهما له، وأنهما إذا زجرا وردا عن مواردهما زادا على المنكر منهما

تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا

وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا

يقول: أخذت في مسيري من لما أبصرت حال نفسي في تأثير الصبابة فيها، ملتفتاً إلى ما خلفته من الحي وأرض نجد، حتى وجدتني وجع الليت - وهو عرق فيها - لطول إصغائي، ودوام التفاتي؛ كل ذلك تحسراً في إثر الفائت من أحبابي وديارها، وتذكراً لطيب أوقاتي معهم فيها. وقد قيل فيه: إن من رموزهم أن من خرج من بلد فالتفت وراءه رجع إلى ذلك البلد. وأنشد فيه أبيات منها قوله:

عيل صبري بالثعلبية لما ... طال ليلى وملني قرنائي

كلما سارت المطايا بناميلاً تنفست والتفت ورائي

قالوا: التفت لكي يقضى له الرجوع، لكونه عاشقاً

<<  <   >  >>