وعلى ذلك جاء إن الجازمة الدالة على الشرط في وقوع الإسم بعده، وإن كان يطلب الفعل عاملاً فيه بالجزم، وذلك نحو: إن زيد أتاني أكرمته. وقول الشاعر:
إن ذو لوثة لانا
وما أشبهه. فإن قيل: هلا جعلت المضمر بعد هلا فعلاً رافعاً فيرتفع النفس به لا بالإبتداء، كما يفعل ذلك في: إن زيد أتاني أكرمته، فيصير هلافي ذلك أجرى في بابه من أن يكون ارتفاعه بالإبتداء؟ قلت: إن قولك إن زيد أتاني أكرمته، ارتفع زيد بفعل هذا الظاهر تفسيره، وأكرمته جواب إن، فساغ فيه مالم يسغ هاهنا، لأنه ليس هاهنا شيء يكون تفسيراً لذلك الفعل. وإنما جاء بد الفعل المفسر شفيعها، ويكون خبراً، ويكون خبراً لا غير، وإذا كان كذلك لم يمكن حمل هذا عليه.
ومعنى البيت: خبرت أن ليلى أرسلت إلى ذا الشفاعة في بابها، تطلب به جاهاً عندي، مستكفية عن ذكرها في الشعر وعن إتيانها وما يجري مجراه. ثم قال: هلا جعلت نفسها شفيعاً. فقوله (بشفاعة) حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، الفعل الذي يقتضيه هلا دل عليه شفيعها، لو قال: هلا نفسها شفيعها - لكان أقرب في الإستعمال، إلا أنه قصد إلى التفخيم بتكرير اسمها.
ثم قال:(أأكرم من ليلى علي) ، فأتى بلفظ الاستفهام، والمراد التقريح والإنكار، كأنه أمكر منها استعانتها بالغير عليه، وطلب الشفيع فيما أرادت لديه. وقوله (فتبتغي) في موضع النصب على أن يكون جواب الاستفهام بالفاء. وقوله (أم كنت) هي أم المتصلة، كأنه قال: أي هذين توهمت: طلب إنسان أكرم علي منها، أم اتهامها لطاعتي لها. وخبر أكرم علي محذوف، كأنه قال: أأكرم منها موجود، أو في الدنيا.
وقال آخر:
أما يستفيق القلب إلا انبرى له ... توهم صيف من سعاد ومربع