اليسرى، كنايةً عن السحاب. وجهلها: كثرة مطرها. وجعل ارتياعه منها زجراً لها. ثم نشأت أخرى من عن يمين القبلة، فأيقن حينئذ بالفراق. فذلك معنى قوله: أسبلتا معا. ثم قال معترفاً بالبين: خل عينيك تدمعا، يعني السحابتين. وقال جرير:
إن السواري والغوادي غادرت ... للريح منخرقاً بها ومجالا) .
هذا كلامه في كتابه، وقد حكيناه على ما أورده لازيادة فيه ولا نقصان. وأظن أنه تذكر أبيتاً غير هذه، ثم تصرف في تفسيرها وذكر هذه الأبيات في أثناء تفسير ما ذكره، ولم يأت بها. وقد أحسنت الظن مستطرفاً فعله. والله أعلم.
وقال آخر:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلى فهلا نفس ليلى شفيعها
أأكرم من ليلى علي فتبتغي ... به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها
نبىء يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل، وقد حصلت إلى قوله (أرسلت بشفاعة إلى) . وقوله (هلا نفس ليلى) هلا: حرف تحضيض، وهو يطلب الفعل، وقد وقع في البيت بعده جملة من مبتدأ وخبر. وفارق (هلا) هذه أختها (لولا) في قوله:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطري لولا الكمي المقنعا
وذاك لأن تأثير الفعل بالنصب بعد لولا من البيت دل عليه، فأمره في إضمار الفعل بعده قوى. وهذا لم يصلح له أن ينصب النفس بعد هلا، فكان يجيء التقدير: فهلا أرسلت نفسها شفيعها؛ لأن القوافي مرفوعة، فجعل ما بعده مبتدأ لما لم يتأت له ما تأتي لذاك. وقد يفعلون هذا في الحروف المختصة بالأفعال إذا كان في الكلام دلالة على المضمر من الفعل. ألا ترى أن ويطلب الفعل. ثم جاء قوله تعالى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق.