الأحوال، وكذلك التفاعل، فأتى بسلوت بناء على ظنهم واعتقادهم، وتسليت بناء على حاله.
وقوله (وإن يك عن ليلى غنى) يريد: وإن كان ظاهر أمري أني استغنيت عنها بخلو قلبي من حبها، أو أني أتجلد للوهن العارض في الإشتياق إليها، فرب غني نفس يقرب من الفقر، والمعنى أن باطن أمري بخلاف ظاهره. وإنما يتصور مني غنى يقرب من الفقر إذا حصل وتؤمل. ومن روى (أمر من الفقر) فالمعنى ظاهر والفاء من فرب بما يعده جواب للشرط. وفائدة رب التقليل، كأنه استقل الحالات التي تشبه حاله، فلذلك أتى برب.
وقال آخر:
يوم ارتحلت برحلي قبل برذعتي ... والعقل متله والقلب مشغول
ثم انصرف إلى نضوى لأبعثه ... إثر الحدوج الغوادي وهو معقول
انتصب (يوم) بإضمار فعل، كأنه أراد: أذكر يوم هذا الأمر والشأن. وأضاف اليوم إلى الفعل تشيهراً له وتعظماً لما اتفق فيه. وذلك أنه باغته حديث الفراق وما هم به المجتمعون معه في النجمة من الارتحال، فلما ورد عليه مالم يحسبه ولم يحدث نفسه به تولة وخولط، حتى صار لا يدري ماذا يأتي عندما هم به من تشييعهم، والتهيؤ للكون معهم، فقال: أذكر يوم أقبلت أضع الرحل على الناقة قبل البرذعة، وعقلي فاسد وقلبي مشغول بما دهمه من الحال. وقوله (متله) هو مفتعل من الوله، وأصله مؤتله، فأبدل من الواو تاء كما تقول في اتقى واتجه وما أشبههما، ثم أدغم إحدى التاءين في الأخرى. ويروى:(مختبل) والخبل: الفساد.
وقوله (ثم انصرفت إلى نضوى) تتميم لبيان حاله فيما انعكس عليه من قصده، وفسد من همه، فقال: ثم رجعت إلى بعيري لأقيمه في إثر الظغائن الباكرة، وهو مشدود بعقالة لم أحله. وهذا غاية ما يقال في انحلال العقدة، واسترخاء المسكة، وسوء الضبط وانقلاب القلب. ومعنى أبعثه أهيجه. والنضو: البعير المهزول. والحدوج: مراكب النساء الظاعنة. وانتصب إثر على الظرف.
وقد سلك أبو تمام هذا المسلك فقال:
أصمني سرهم أياهم فرقتهم ... هل كنت تعرف سراً يورث الصمما