للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله (أحسد الوحش) في موضع الحال، وأن أرى، في موضع البدل من الوحش. وقوله (لا يروعهما) في موضع الصفة لأليفين، لأن أرى من رؤية العين، ويكتفي بمفعول واحد، وهو أليفين.

فيا حبذا زدني جوى كل ليلة ... وياسلوة العشاق موعدك الحشر

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

تجلد في الهوى وادعى اللذاذة به، حتى استزاد من أجزاء الجوى الحاصلله، وهو داء الجوف، ما يتضاعف بتجدد الأوقات، واستبعد التسلي منها حتى جعل الموعد بينهما يوم النشر. وهذا غاية التفتى في الهوى، والتصبر على الردى.

وقوله (عجبت لسعي الدهر) يجوز أن يريد به سرعة تقضي الأوقات مدة الوصال بينهما، وأنه لما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون. وهذا على عادتهم في استقصار أيام السرور واللهو، واستطالة أيام الفراق والهجر. ويجوز أن يريد بسعي الدهر سعاية أهل الدهر وإيقادهم نار الشر بينهما بالنمائم والوشايات، وأنه لما فترت أسواقهم بالتهاجر الواقع منهما، وارتفع مرادهم فيما طلبوه من الفساد بينهما، سكنوا. وكما أراد بسعي الدهر سعى أهل الدهر، كذلك أراد بسكون الدهر سكون أهل الدهر.

وقال:

بيد الذي شعف الفؤاد بكم ... تفريج ما ألقى من الهم

ويقر عيني وهي نازحة ... مالا يقر بعين ذي الحلم

الذي شغف القلب به من زعمه هو الله تعالى. ومعنى شعف الفؤاد: أصاب شعفته. وشعفة كل شيء أعلاه. وقوله (بكم) أراد بحبكم، ويقال: فلان مشعوف بكذا، إذا شغل قلبه به وأصيب. وارتفع (تفريج) بالابتداء، وخبره بيد الذي، على طريقة سيبويه، وعلى مذهب أبي الحسن الأخفش ارتفع تفريج بالظرف، والمعنى: بيد الله الذي ابتلاني بكم، وشغل قلبي بحبكم، كشف ما أقاسيه من الهم. وهذا للشاعر في الهوى على الضد ممن تقدم ذكره، لأن شكواه في نهاية القوة والعلو، كما أن التذاذ ذاك في نهاية الجدة والغلو.

<<  <   >  >>