وقوله (ويقر عيني وهي نازحة) يريد أنه يسره فيها على بعدها منه مالا يسر به عاقل. وإنما نبه بهذا على شدة تمنعها، وعلى قوة يأسه منها، حتى أنه مع البعاد إذا أخطر بباله شيئاً من أحوالها التي يشاركه فيها، عده مرزئة منها، واستمتاعاً بها. وقد شرح ذلك فيما بعده. وقد روى بعضهم:(بعين ذي الحلم) بضم الحاء، وليس بشيء.
إني أرى وأظن أن سترى ... وضح النهار وعالي النجم
لك أن تروى (أني) وتجعله في موضع الرفع بدلاً من (مالا يقر) ؛ ولك أن تكسر إن، كأنك تستأنف شرح ما قدم، وتفصل ما أجمل. ويكون المعنى: بقر عيني أني أرى بياض النهار وعالي الكواكب بالليل، وهو أضوؤها وأعلنها، وأظن أنها تشاركني في رؤيتها، فأفرح بذلك، وهذا مما لا يفرح به عاقل، ولا يعتده لذة، ويروى والمعنى ما بينته، على غير هذا، وهو:
إني الذي سأظن أن سترى ... وضح النهار وعالي النجم
فيرتفع وضح على أن يكون خبر إن، وأتى بعالي النجم على أصله فضم الياء منها. والمعنى ذلك المعنى، إلا أنه زاد الظن تراخياً بإدخال السين عليه. ويروى:
إني أرى وأظن أن سترى ... وضح النهار عوالي النجم
فينتصب وضح على الظرف، وعوالي على أنه مفعول أرى. والمعنى: أرى الكواكب ظهراً، فيما أقاسيه من برح الهوى، وأظن أنها ستمتحن في حبها لي بمثل ما امتحنت في حبي لها، وأن أسباب الهوى تفارقني وتعود إليها، فترى مثل ما أرى، فأفرح بذلك وتطيب له نفسي، وهذا مما لا يفرح به عاقل.
ولليلة منها تعود لنا ... في غيرما رفث ةلا إثم
أشهى إلى نفسي ولو نزحت ... مما ملكت ومن بني سهم
نبه بهذا الكلام على تهالكه في هواها، وتناهى صبابته بها، وأن اليسير إذا عاد عليه منها عده كثيراً. وقد أظهر العفاف في بلواه، وأنه يتمنى ما يتمنى فيها حلالاً لا