للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرأة، ويجوز أن يرجع الضمير إلى التحية، والمراد: ما كان أكثرها لنا لو حصلت، إذ كان فيه مساك أرماقنا، وحياة قلوبنا. وما كان أقلها في نفسها. وهذا كما قال الآخر:

إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير ممن يحب القليل

وقوله (وإذا وجدت لها وساوس سلوة) يبين به استحكام حبتها في قلبه، وأنه كلما تداخله ضجر بدلالها وتأبيها، فحدت نفسه بالتسلي عنها والتصبر دونها، أقبلت دواعي الميل إليها، والأسباب المتسلطة على قلبه والمشتملة على لبه، ولها تشفع وتعصب، فنزعت ما خطر، بالبا من ذلك، وصارت شوافع الضمير أغلب على تدبيره، وأملك لمتصرفاته، حتى يصير الحكم لها، والغلب لقضاياها. وفي طريقته قول كثير:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل

وقال آخر:

أما الذي حجت له العيس وأرتمى ... لمرضاته شعث طويل ذميلها

لئن نائبات الدهر يوماً أدلن لي ... على أم عمرو دولة لا لأقيلها

افتتح كلامه بأما، ثم أقسم بالله، لأن الذي قصدت العيس بيته، وطلبت الحجاج الغبر الوجوه الطوال الذميل مرضاته، هو الله تبارك وتعالى.

واللام من (لئن) هي الموطئة للقسم، وجواب القسم (لا أقيلها) . والمعنى: والله لئن جعلت نوائب الدهر لي دولة على أم عمرو لعددت ذلك ذنباً لا أقيلها منه. فالضمير من لا أقيلها يرجع إلى النائبات، كأن لذته كان في الهوى، وأن يكون لتلك عليه البسطة في الأمر، والتمكن من التصريف فيما يسوءه أو يسره، فإذا تغير الأمر عن ذلك عدة شقاء وضرراً فادحاً. وهذا الوجه حسن. ويجوز أن يكون الضمير يعود إلى المرأة، فيكون المعنى: إنى إن صارت لي اليد عليها، وجعلت أملك من أمرها مثل ما تملك من أمري جازيتهاحينئذ بما تعاملني به كيل الصاع بالصاع، وتركتها لا أنعشها من صرعتها، ولا أقيلها عثرتها. وهذا المعنى وهذا المعنى إذا قايسته إلى ما تقدم ذكره كان

<<  <   >  >>