للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منحطاً عنه، وواقعاً دونه، وفيه إظهار العجز عن مكابدة الصبابة، والتصريح بسوء الملكة. ومثل هذه الطريقة لا يرتضيها أرباب الهوى، والحكام على مدعي العشق ولهم. ومعنى (أدلنني) جعلن لي دولة. ويروى: أدرن لي فينتصب دولة على أنه مفعول به. والدائرات كالدائلات لا فصل. ومن روى (أدلن لي) انتصب دولة على أنه مصدر، فيكون موضوعاً موضع الإدالة. ويقال: أدالك الله من عدوك، أي جعل لك عليه دولة.

وقال آخر:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتبعتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

الرائد: الذي يتقدم القوم فيطلب لهم الماء والكلأ، ولذلك قيل في المثل: (لا يكذب الرائد أهله) لأنه إن كذبهم هلك معهم. فيقول: إنك إذا جعلت عينك رائداً لقلبك تطلب له مصب هواه، ومقلا لهوه وصباه، أتعبتك مناظرها في مطالبك، وأوقعتك مواردها في أشق مكارهك؛ وذلك أنها تهجم بالقلب في ارتياده لها على مالا يصبر في بعضه على فراقه مع مهيجات اشتياقه، ولا يقدر على السلو عن جميعه مع تذكر غرائب الحسن منه، فهو الدهر ممتحن ببلوى مالا يقدر على كله، ولا يصبر عن بعضه. والجناية فيهما للعين، لكونها قائداً للفؤاد إلى الردى وسائقاً، وهادياً لدواعي الحب إليه وحادياً.

وقد ألم بهذا المعنى أبو تمام حيث يقول:

لم تطلع الشمس المضيئة مذ رأت ... عيني خلال الخدر شمساً تغرب

لأعذبن جفون عيني إنما ... بجفون عيني حل ما أتعذب

وأبين من هذا قول الآخر:

ألا إنما العينان للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب يألف

<<  <   >  >>