للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينهما، خطرت ذكرة ببالي، وقد مضى من الليل ساعة، فتحيرت حتى لم أقدر على التوجه في المقصد الذي كنت أؤمه، وحتى لم أملك إلا إجابة داعي الشوق إليك بالتلبية والوقوف له، وبعد ذلك قلت للحادين: انصرفا واعطفا برؤوس مطيكما، فقد منع ما طاعته أوجب، ودفع في صدورنا من أمره أنفذ. وقد تقدم الفرق بين الهوى والهوى.

وقوله (بالبلاكث فالقاع) رتب القاع على البلاكث بالفاء العاطفة، كأنه ارتقى منها إليها، ويجوز أن البلاكث اسم لبقاع مختلفة؛ لأن بناءه بناء الجمع.

وقوله (لبيك) هو من ألب بالمكان، إذا أقام؛ إلا أنه لاينصرف كما أن سبحان الله لاينصرف. والكلمة مثناة عند سيبويه، والمراد عنده إقامة للداعي تتبعها إقامة ودوام على طاعته ومتابعته. ويقرن بها سعديك، المعنى: مساعدة بعد مساعدة واستمرار على مشايعته. وحصل التكثير والاتصال فيه بالتثنية، كما حصل بالتكرير في قولك: ادخلوا الأول فالأول. قال سيبويه: أخبرنا أبو الخطاب أنه يقال للمداوم على الشيء لايقلع عنه ولايفارقه: قد ألب عليه. أنشد للتثنية فيه قول الشاعر:

دعوت لما نابني مسوراً ... فلبي فلبي يدي مسور

هكذا روايته وإنشاده عن العرب بهذا اللفظ. وحكى أيضاً عن بعضهم: لب بالكسر، يجعله صوتاً مثل غاق. وعند يونس أنه موحد لبي، وانقلب ألفه ياءً كما انقلب في على ولدي عند الإضافة إلى مضمر. وعلى مذهبه يجب أن يكون (فلبي يدي) كما أن على وإلى ولدي إذا أضيفت إلى الظاهر لا يتغير ألفها. تقول: على زيد وإلى عمرو.

وقال آخر:

استبق دمعك لا يود البكاءبه ... واكفف مدامع من عينيك تستبق

<<  <   >  >>