للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس الشؤون وإن جادت بباقية ... ولا الجفون على هذا ولا الحدق

بقوله (لايود البكاء به) يجوز أن يكون جواب الأمر، ويجوز أن يكون نهياً وهو أحسن وإن لم يكن معه حرف العطف، لأنه قد ذكر بعده (واكفف مدامع من عينيك) ولم يأت له بجواب، كأنه أمره بكف المدامع وهي تستبق. وإذا كان الكلام نهياً بعد أمر وأمراً بعد نهي، كان أبلغ. ومعنى أودى بكذا أهلكه. والاستباق في المدامع مجاز؛ لأن الذي استبق في التحدر هو الدمع. والمدمع: مجرى الدمع، وهو مصدر دمعت، ويكون المراد به أيضاً العين الذي هو الجاري؛ لأن الاستباق لايصح إلا فيه.

وقوله (ليس الشؤون وإن جادت بباقية) يريد: أنك إن أدمت البكاء استهلكت منابع الدمع ومجاريها، وأطباق العين وحماليقها؛ لأن شيئاً من هذه الآلات وإن سمحت بالإجابة مدة لايدوم على فعلك، ولايقوم لتكليفك. وقوله (على هذا) أشار بهذا إلى فعله، وعلى تعلق بباقية، وهو مضمر دل عليه الباقية المذكورة، كأنه قال: ولا الجفون باقية على هذا، وجعل (لا) من قوله والجفون بدلا من ليس، والجفن في اللغة: المنع والحبس؛ لذلك سمي غلاف السيف الجفن.

وقال آخر:

قد كنت أعلو الحب حيناً فلم يزل ... بي النقض والإبرام حتى علانيا

يقول: بقيت أزاول الحب وأجاذبه، وهو معي متردد بين أن أعلوه تارةً فأدفعه عن نفسي بجهدي، وبين أن يعلوني فيغلبني على مرادي، ويأخذ مقره من فؤادي، فلم نزل بين النقض والإمرار، أنقض عليه وهو يمر، وينقض علي وانا أمر، إلى أن صار الغلب له.

<<  <   >  >>