للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعلق الباء من قوله " بنفسي " بفعل مضمر، كأنه قال: أفدي بنفسي وعشيرتي إنساناً - ويعني به محبوبه - إذا اجتمع عليه اللوام، وتصرفوا في فنون الغض منه والعتب عليه، فآذوا قلبه وضيقوا صدره، ارتبك في الجواب وحار، ولم يدر لغرارته بماذا يجيب، ولسوء اهتدائه بوجود الحيل كيف يتخلص، فلا عذره عذر من لا جناية له، ولاسكوته سكوت من لااحتفال بهم معه، فهو في إطراقه وخفوته إذا قضيتم نفذت فيه بأنه مريب، مرتكب، ولما رمى به مكتسب، استدلالاً بسكوته على الذنب، وبإمساكه عن إقامة المعاذير على صحة القرف.

وقال آخر:

أرى كل أرض دمنتها، وإن مضت ... لها حجج، يزداد طيباً ترابها

ألم تعلمن يا رب أن رب دعوة ... دعوتك فيها مخلصاً لو أجابها

يقول: أرى كل مكان أقامت فيه هذه المرأة زمناً فأثرت فيه أثراً يزداد على استمرار السنين والأحقاب ترابه طيباً، وإن لم يكن لإقامتها أوان ممتد وزمان متصل، فقوله " يزداد " في موضع المفعول الثاني لأرى. ودمنتها: فعل مبني من الدمنة: أثر الدار وما سود بالرماد وغيره، فكأن معنى دمنتها أثرت فيها بالإقامة. وانتصب " طيبا " على التمييز، وقد نقل الفعل عنه لأن الأصل يزداد طيب ترابها، فجعل الفعل للتراب فأشبه " طيباً " المفعول. وعلى هذا: قررت به عيناً. فإن قيل: هل في هذا دلالة على صحة قول المخالف لسيبويه في جواز تقديم التمييز إذا كان العامل فيه فعلاً، وهل يفصل بين هذا البيت وبين ما استدلوا به من قول الآخر:

وما كان نفساً بالفراق تطيب

قلت: لادلالة في هذا الذي نحن فيه وإن كان البيت الذي أوردته أمكن التعلق به، حتى ذكر أصحاب سيبويه أن الرواية على غيره، وهو:

وما كان نفسي بالفراق تطيب

<<  <   >  >>