وذلك أن " طيباً " لم يقدم على العامل وهوالفعل، وإنما قدم على ما صار فاعلا، وإذا كان كذلك لم يصح الاحتجاج به له، لأن الموضع المختلف فيه هو جواز تقدمه على العامل فيه وامتناعه منه لاغير، فأما مادام واقعاً بعد الفعل فلا مستدل به على موضع الخلاف.
وقوله " ألم تعلمن يا رب أن رب دعوة "، أن مخففة من أن الثقيلة، والتقدير: أنه رب دعوة. وفي رب لغات: إحداها التخفيف. وكأنه يتضرع في هذا الكلام إلى خالقه ومن يستغيث به فيما يقاسيه، ويقرر في الدعاء عليه أنه قد ضمن الاستجابة في قوله تعالى:" ادعوني استجب لكم " فقال: إنك تعلم يا رب أني قد أخلصت دعاءك في أوقات كثيرة لطلبتي لو اقترن بالدعاء إجابة وإسعاف، وضمانك الأصح الأوفى، فاستجب. وفيه أيضاً ما يجري مجرى الاستزادة إذا توجه إلى غيره تعالى. وانتصب " مخلصاً " على الحال. وقوله " لو أجابها " يريد به لو أجاب فيها.
وأقسم لو أني أرى نسباً لها ... ذئاب الفلا حبت إلى ذئابها
لعمر أبي ليلى لئن هي أصبحت ... بوادي القرى ما ضر غيري اغترابها
قوله " أقسم " جملة تنوب عن اليمين، والجواب " حبت إلى ذئابها " متعلقاً بالشرط المذكور، وهو أن تكون مناسبة. وجواب لو هو ما صار جواباً لليمين، وكذا يقع الشرط والجزاء بعدها، تقول: والله لئن جئتني لأكرمنك ويروى: " حبت " بفتح الحاء والأصل حببت، وفعل في المضعف قليل. ويروى " حبت " بضم الحاء، وهو بناء لما لم يسم فاعله. ويقال: حببته فهو محبوب، لغة في أحببته.
وقوله " لعمر أبي ليلى " إقسامه بأبيها تعظيم لها، وتنبيه على محله من قلبه، وأنه إلى من يجمعه وإياها علقة وإن ضعفت، فكيف أبوها والمختص بها. وفي هذا زيادة على ما قاله الآخر، وهو:
ومن بينات الحب أن كان أهلها ... أحب إلى قلبي وعيني من أهلي
واللام من " لئن " موطئة للقسم، وجواب القسم ما ضر، والمعنى: إن عادت هذه المرأة إلى موضعها من وادي القرى لم يضر غير ي البعد منها، والاغتراب عنها. وقوله " اغترابها " يريد اغترابي عنها، ويجوز أن يريد تباعدها