هل إلى نظرة إليك سبيل ... فيروى الظما ويشفي الغليل
إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير ممن يحب القليل
فقوله: القليل مبتدأ، وكثير ممن يحب خبره.
وقوله فياخلة النفس في هذا الكلام اعتداد في المناداة بما يتوخاه معها، فيقول: يا صديقة النفس التي تفردت بملكها واجتذبها من أيدي خطابها ففازت بها، فليس لنا خليل ممن يصافى المودة من دونها، ويامن سترنا حبه عن الناس كافة، صيانة له عن الانتشار والابتذال، فلم نطع فيه في حماه واشياً فيفسد ذات بيننا ولا مضرباً، ولم نأمن عليه دخيله يزاحمه في حماه فيصير موضعه مشتركاً، أما عندك مقام لي فيه إليك سبيل أشتكي غربة النوى، وخوف العدى. فالمنادى له قوله: أما من مقام أشتكي.
فديتك أعدائي كثير وشقتي ... بعيد وأشياعي لديك قليل
وكنت إذا ما جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول
فما كل يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم إليك رسول
الشقة: بعد مسير أرض إلى أرض بعيدة، وإنما لم يقل بعيدة، لأن فعيلاً كثيراً ما يقع للمؤنث والمذكر على حالة واحدة، حملاً على النسب أو على فعول. يقول: تفديك نفسي، في أعدائي بحضرتك وفي الطريق إليك كثرة، وفي المسير بيني وبينك بعد ومشقة، وفي النصار لي بحضرتك قلة، وكنت متى جئتك من قبل، ولم تبلغ الحال منا هذا المبلغ، أقيم معذرة وأنصب لفعلي علة. وقد كثر ذلك مني حتى فنيت المعاذير والعلل، فلا أدري ماذا أقول، ومن أين أتوصل، بأي شيء أتبلغ، وعلى ماذا أعول، ومع ذلك فالحاجات بأرضك لا تكاد تعرض كل يوم فتذكر، والرسل لا توجد فتتقاطر، فإذا تومل حالي فإنى حبيس على المكاره، أسير في أيدي النوائب، ضيق المجال والشأو في الزيادة، موفور الحظ من الأسباب الصادة، عظيم