المحنة فيما اجتمع على من أنواع البلاء، وموانع القضاء. وقوله فكيف أقول، يريد: كيف أقول ما أقوله، فحذف المفعول، ويجوز أن يكون المراد بأقول اتكلم، فيستغني عن المفعول، كقول الآخر:
بحاجة نفس لم تقل في جوابها ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
أي لم تتكلم في جوابها.
وقال آخر:
أبعد الذي قد لج تتخذينني ... عدواً وقد جرعتني السم منقعا
وشفعت من يبغي علي ولم أكن ... لأرجح من يبغي عليك مشفعا
ألف الاستفهام تطلب الفعل، وإن كان المراد به هنا القريع والمعنى: أتتخذينني عدواً بعد ما لج من الحب فيك والهوى، وغلب من عصيان القلب والسى، وبعد أن سقيتني جرع السم المنقع، وأذقتني مرارة المنع الجامد، فوجدتني صابراً على الأذى، منصباً إليك بنوازع الصبا، لا يخلى ورده وإن حلى، ولا يكدر صفاء وده وإن دوفع. والمنقع: المثبت، يقال: أنقع له الشر حتى يسأم. وقوله وشفعت من يبغي علي أي رددت الباغي على مشفعا بما جاء له في معناي وطليه، وبقيت أنا لا أقبل نصح النصاح، ولا أصدق قول الوشاة، ولا أوحى الشفيع عني منجحا، ولا أصرف الباغي عليك مظفراً.
فقالت وما همت برجع جوابنا ... بل أنت أبيت الدهر إلا تضرعا
فقلت لها ما كنت اول ذي هوى ... تحمل حملاً فادحاً فتوجعا
يقول: أجابتني بعد أن كانت في صورة من لا يعبأ بما يبدأ به فلا يجيب، ولا يرق لمن يشكو إليه فيستجيب: بل أنت تأبى إلا ضراعة وتوجعاً، وانخزالا وتألماً. هذا عادتك والمألوف من طرائفك، فإلى متى هذه الشكوى، وأنى يكون مني في مقابلة عتبك العتبي؟ فقلت في جوابها: ما أنا ببدع في الهوى، ولست بأول من حمل مالا يطيقه، أوثقل عليه ماكلفه فتشكى. والفادح: المثقل. يقال: دين فادح، وقد