وقوله ولا عيب فيه يريد أن جعفراً بريء من العيوب إلا من مخافة قومه على نفسه ألا تطول مدتها، ولا يتنفس مهلها. وليس ذلك بعيب، وإنما يشفقون مما ذكر تنافساً في حياته، ورغبة في الانتفاع به وبمكانه، لكنه أراد أن من ذلك معيبه، فكيف يكون مرضيه. فإن قيل: لم أدخل هذا في جملة النسيب وليس هو منه؟ قلت: لطافة لفظه وحلاوة معناه، ومناسبته بذلك للنسيب، أدخلته في هذا الباب. وقد فعل لمل هذه العلة مثل هذا فيما تقدم، ونبهنا عليه.
وقال آخر:
وإني على هجران بيتك كالذي ... رأى نهلاً ريا وليس مناهل
يرى برد ماء ذيد عنه وروضة ... برود الضحى فينانة بالأصائل
يقول: إني على ما أجرى عليه من تعزلي لبيتك، ومهاجرتي لفنائك، ولما أتقى به من مكاشفة الرقباء على ترصدهم بالمكروه لي ولك، واختلافهم في التقاط حديثي وحديثك، لكالعطشان وقد رأى ماء مروياً كثيراً، بارداً شهياً، فمنع منه، وشافه روضة باردة الظل عند الضحاء، كثيرة الأفنان والغصون، إذا هبت رياح العشاء فحيل بينه وبينها. والنهل: الماء. والناهل: الريان هاهنا، ويكون العطشان أيضاً في غير هذا. وذيد عنه، أي منسع منه. والفينانة: الكثيرة الأفنان؛ وهو فيعال. والفنن: الغصن. والأصائل: العشيات.
وقوله يرى برد ماء، فيقول: يرى ماء بارداً، لأن البرد لا يدرك بالعين. وإن شئت قلت: جعله للمبالغة في الوصف كالمحسوس.
وقال آخر:
فمرا على أهل الغضي إن بالغضى ... رقارق لا زرق العيون ولا رمدا
أكاد غداة الجزع أبدى صبابة ... وقد كنت غلاب الهوى ماضياً جلدا
يخاطب صاحبين له يسألهما أن يجوزا بأهل الغضى، لأن فيها نساء يترقرق ماء الشباب فيهن، لا زرق في عيونهن ولا رمد. ويقال: فتى رقراق، وفتاة رقراقة،