للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجوز أن يكون أراد أنها قاسية القلب سوداؤه، فجمع القلب بما حوله فقال القلوب، أو لأنها كأن لها مع كل متيم بها قلباً، فقال القلوب على ذلك. فيقول: نبيت أنها تألمت لعارض علة، فأقبلت من أهلي بمصر عائداً لها، ووالله أحلف ما أدري إذا حصلت عندها أأصبر شفاءً مما بها، أو أزيد في شكواها لتبرمها بي؛ كأنه ظن بها تنكراً وحؤولاً عن العهد. وقوله " أم أزيدها " يريد: أم أزيدها داءً، فحذف لأن المراد مفهوم.

وقال آخر:

إني وإياك كالصادي رأى نهلاً ... ودونه هوة يخشى بها التلفا

رأى بعينيه ماءً عز مورده ... وليس يملك دون الماء منصرفاً

يقول: مثلي ومثلك في مساس حاجتي إليك، وتناهى رغبتي في وصلك والنيل منك، وفي احتجازك عني وامتناعك منى، مثل رجل عطشان شاهد ماءً، وقد حال بينه وبين وروده وهدة عميقة يخشى من اقتحامها الهلاك، فالماء بمرأى منه، وقد غلبه المانع عنه، ليس يقدر على انصرافه من دونه، لغلبة العطش عليه، وشدة الفاقة إليه، فكذلك أنا وأنت. وقوله " رأى نهلاً " في موضع الحال، وقد مقدرة في الكلام، لأن رأى بناء للماضي. والنهل والمنهل: الماء، وموضع الماء. وقوله " ودونه هوة " في موضع الصفة للنهل، كما أن عز مورده في موضع الصفة للماء. وإنما قال " رأى بعينيه " فذكرالعين تأكيداً للرؤية. ومثله قوله تعالى: " ولاطائر يطير بجناحيه " وما أشبهه.

وقال آخر:

ألا بأبينا جعفر وبأمنا ... نقول إذا الهيجاء سار لواؤها

ولا عيب فيه غير ماخوف قومه ... على نفسه ألا يطول بقاؤها

قوله ألا بأبينا، الجملة في موضع المفعول لقوله نقول. والباء من بأبينا تعلق بفعل مضمر، والمراد: نفدى بأبينا وأمهاتنا جعفراً إذا سار الخميس وحمل لواء الجيش قاصداً إلى الهيجاء. وأضاف اللواء إلى ضمير لحاجتها إليه.

<<  <   >  >>