للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تاريخ بيبرس: وفي هذه السنة وصل جلال الدين خوارزم شاه إلى كرمان بعد مكابدة العناء والشدائد هو وأصحابه، وقطع المفاوز المهلكة المعطشة، وكان بكرمان براق الحاجب ينوب عن أخيه غياث الدين تترشاه، ويراق هذا كان حاجب الكور [٣] خان (١) ملك الخطائية، وورد رسولًا على السلطان منذ المكاشفة التي كانت بينهما، فمنعه أن يعود إلى مراسلته رغبة فيه، فبقي محصورًا، بخوارزم إلى أن أورث الله السلطان أرضهم وبلادهم وأمصارهم، فأحضره ورتبه في جملة حجابه وآواه وأكرمه وأفاض عليه فضله وكرمه، وظن أن فيه وفاء وإذا به بخلافه، فلما دخل جلال الدين كرمان وجده في ظاهر الأمر وفيًا وفي باطن الأمر بضد ذلك، فشاور أصحابه فيه فأشاروا بالقبض عليه واستصفاء مملكة كرمان منه، والاستظهار بها على سائر الممالك، ولم يوافقه على هذا الرأى شرف الملك المعروف بخواجاجهان (٢) وقال: هذا أول من بذل الطاعة من ولاة البلاد وزعماء الأطراف، وليس كل أحد يتحقق غدره ومكيدته. فرحل جلال الدين صوب شيراز، وورد عليه الأتابك علاء الدولة صاحب يَزْد (٣) مطيعا، وأحضر من الخدم والتقادم ما عزت به منزلته، فلقبه آتاخان وكتب له توقيعا بتقرير بلاده، وكان الأتابك سعد صاحب فارس قد استوحش من غياث الدين تترشاه، فرغب جلال الدين في إصلاحه لنفسه، وسير إليه الوزير شرف الملك خاطبا، فأسرع إلى الإجابة ورجع منشرحا، فاستظهر جلال الدين به ورحل من شيراز إلى أصفهان، فخرج إليه القاضي ركن الدين مسعود بن صاعد فرحا به مسرورا بمقدمه، وقدموا إليه كثيرا من العدد الحربية والملابيس، ولما سمع به غياث الدين أنه قد توسط البلاد وملك كثيرا ركب إليه في جمع من خاصته من بقايا العساكر السلطانية زهاء ثلاثين ألف فارس لطرده عمارامه، فحزن جلال الدين لما سمع بقربه وأيس مما طمحت إليه نفسه، وسير إلى


(١) الكورخان: لقب اتخذه ملوك دول الخطأ لأنفسهم ومعناه خان خانان أي ملك الملوك أو سلطان السلاطين.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٤٣، حاشية (٤).
(٢) خواجاجهان: عبارة فارسية معناها سيد العالم.
انظر: سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ٨٢، حاشية (٣).
(٣) يَزْد: إحدى مدن فارس وتقع على بعد سبعين فرسخا من شيراز.
انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ١٠١٧؛ سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ١٧٦، حاشية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>