للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غياث الدين أدك أمير آخور (١) وكان من دهاة خواصه. يقول: إن الذي قاسيته بعد السلطان (٢) من الشدائد الفادحة لو عرضت على الجبال لأشفقن منها أن يحملنها واستثقلتها فأبين أن يحملنها (٣)، "وحين ضاقت على الأرض بما رحبت (٤) " قصدتك لأستريح عندك أياما، فما رأيت عندك للضيف إلا ظبي السيف، فرجعت بظمائي، وسير إليه سلب [٤] طولي خان بن جنكيزخان وفرسه وسيفه، فلما سمع غياث الدين بالرسالة انصرف منعطفا وتفرقت عساكره، وكان جلال الدين سير صحبة رسوله عدة خواتيم، وأمر بإيصالها إلى جماعة من الأمراء السلطانية يمنيهم الإحسان ويستميلهم عن أخيه، فمنهم من أخذ الخاتم وسكت، وأجاب إلى الانقطاع إليه والتقاعد عن نصرة غياث الدين، ومنهم من أخذه وحمله إلى غياث الدين، فعند ذلك أمر غياث الدين بالقبض على الرسول المذكور، وبادر إلى خدمة جلال الدين أبو بكر ملك، وهو من بني أخواله والمحثين على قتاله، وذكر له أن القلوب مشتاقة إلى لقائه، فركب جلال الدين في ثلاثة آلاف ضعاف إلا أنهم رجال قد أحكمتهم التجارب، ولم يزالوا حتى أحاطوا بغياث الدين، فعوجل عن التدبير، وفوجئ عن النفير، فركب فرس النوبة إلى قلعة سلوفان، ودخل جلال الدين خيمته وبها بكلواي والدة غياث الدين، فاستوفي لها في الإكرام أدب الخدمة، وأنكر انزعاج غياث الدين وأخلائه مكانه، قال: إنه لم يبق لي من ولد أبي سواه وأنه عندي بمنزلة العين للناظر. فأرسلت والدة غياث الدين إليه من سكن روعه، فعاد إلى الخدمة وترك منزلة السلطان، وجاءت الخانات والأكفان في رقابهم يعفرون وجوههم في التراب ويقفون بين يديه استغفارة، وهو يسمعهم من العفو والكلام اللين


(١) أمير آخور: هو المشرف على الإصطبلات السلطانية وما فيها من الخيل والبغال والجمال وغيرها، وهي كلمة مركبة من لفظين أحدهما عربي وهو أمير، والثاني فارسي وهو آخور ومعناه مكان العلف (أمير العلف لأنه متولى الدواب). انظر: سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ٩٠، حاشية (٣).
(٢) المقصود بالسلطان هو علاء الدين محمد خوارزم شاه.
(٣) تأثر العيني بالنص القرآني ونص الآية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ .. } سورة الأحزاب، آية (٧٢).
(٤) تأثر العيني بالنص القرآني، ونص الآية: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ .. } انظر: سورة التوبة، آية (١١٨).٥

<<  <  ج: ص:  >  >>