للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطانية ممارسة بصير، يرى رأي الإمامية (١) الإثني عشر، وكان عاكفا على جمع المال والتولية والعزل والمصادرة، قوى النفس فيما يحاوله، شديد الفتك والانتقام، ولم ينقطع الحج في أيامه أبدا (٢).

وعمر عمارات كثيرة، ووقف عليها وقوفًا كرباط الحريم ورباط المرزبانية، وترية والدته، وتربة زوجته سلجوقي خاتون، ابنة السلطان أرسلان بن سليمان بن قتلمش ملك الروم، وغير ذلك مما هو أشهر أن يذكره. ودفع مرارا كثيرة إلى ثقات من خواصه أموالا كثيرة يقضي بها ديون المحبوسين وفاء ومصالحه (٣).

وصفي له الملك ومعاناة أمور رعيته بنفسه حتى كان يمشي في الليل في دُرُب بغداد ليعرف أخبار الرعية وما يدور بينهم، وُيثُيب ويعاقب على ما يشاهده ويسمعه. وكان كل واحد من أرباب المناصب العالية والرعايا يخافه، بحيث كأنه يطلع عليه في داره، وكثرت جواسيسه وأصحاب أخباره عند السلاطين في أطراف البلاد، وله مثل هذه قضايا غريبة (٤).

وصنف كتابًا في الأحاديث النبوية سماه "روح العارفين"، وقرئ عليه وأسنده عن مشايخه الذين روى عنهم ما فيه، وكان تاريخ نقله لما رواه عن شيوخه سنة سبعين وخمسمائة، وأمر الناس أن يسمعوه في العراق وفي سائر [١٢] الآفاق (٥).

وفي تاريخ بيبرس: وكان يفعل أفعالا متضادة، وأطلق بعض المكوس التي جددها ببغداد خاصة ثم أعادها. وكان ذا فكرة صائبة وعقل رصين ودهاء ومكر، وكانت هيبته عظيمة، وسطوته شديدة (٦). وله شعر مشهور، منه أنه اعتقل بعض أرباب دولته فكتب إليه المعتقل، وهو نصير الدين العجمي وزيره:


(١) الإمامية: هم القائلون بإمامة على (رضي الله عنه) بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا ظاهرا وتعيينا صادقا غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. الشهر ستاني، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، ج ١، ص ١٦٢ - ص ١٧٣، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة ١٩٧٦؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٦٦، حاشية (٢).
(٢) لمعرفة المزيد من صفات الخليفة الناصر لدين الله. انظر: شذرات الذهب، ج ٥، ص ٩٧، ص ٩٧.
(٣) ورد هذا الخبر في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤١٩.
(٤) ورد هذا الخبر باختصار في شذرات الذهب، ج ٥، ص ٩٧.
(٥) ورد هذا الخبر في مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٦٥.
(٦) ورد هذا الخبر في الكامل، ج ١٢، ص ٤٤٠؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ١٦٣؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>