للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بني العباس أسن منه. وكان عاقلا وقورا دينا عادلا محسنا، رد مظالم كثيرة وأسقط مكوسًا كان قد أحدثها أبوه، وسار في الناس حسنًا حتى قيل: إنه لم يكن بعد عمر بن العزيز (رضي الله عنه) أعدل منه لو طالت مدته. لكنه لم يحل عليه الحول، بل كانت مدته تسعة أشهر. أسقط الخراج الماضي عن الأراضي التي قد تعطلت، ووضع عن أهل بلدة واحدة وهي باعقوبا (١) سبعين ألف دينار، وكان أبوه قد زادها عليهم في الخراج وكانت صنجة (٢) المخزن تزيد عن صنجة البلد نصف دينار في كل مائة، إذا أقبضوا وإذا أقبضوا دفعوا بصنجة البلد. فكتب إلى الديوان {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} إلى قوله: {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (٣) فكتب إليه بعض الكتاب يقول: يا أمير المؤمنين إن تفاوت هذا كان في العام الماضي خمسة وثلاثون (٤) ألفا. فأرسل ينكر عليه ويقول: هذا يترك وإن كان تفاوته ثلثمائة ألف وخمسين ألفا. وأمر القاضي أن كل من ثبت له حق بطريق شرعي فوصل إليه بلا مراجعة، وأقام في النظر على الأموال الجردة رجلا صالحا، واستخلف على القضاء الشيخ العلامة [١٥] عماد الدين أبا صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي، في يوم الأربعاء ثامن ذي الحجة، وكان من خيار المسلمين ومن القضاة العادلين، ولما عرض عليه القضاء لم يقبل إلا بشرط أن يورث ذوي الأرحام. فقال: اعط كل ذي حق حقه واتق الله ولا تتق سواه، وكان من عادة أبيه أن يرفع إليه حراس الدروب "في (٥) كل صباح" بما كان عندهم في المحال من الاجتماعات الصالحة والطالحة، فلما ولي الظاهر الأمر (٦) شطب ذلك كله. وقال: أي فائدة في كشف أحوال الناس وهتك أستارهم. فقيل له: إن ترك ذلك يفسد الرعية. فقال: نحن ندعو الله لهم أن يصلحهم. وأطلق كل من كان في السجون معتقلا على


(١) باعقوبا: قرية كبيرة كان بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من أعمال طريق خراسان، معجم البلدان، ج ١، ص ٤٧٢.
(٢) صَنْجَة: جمعها صنوج وهي صنجة الميزان كالمكيال ومكيالاتها معتبرة بالمكوك، وصنجة دمشق وحلب وطرابلس تنقص عن الصنجة المصرية.
صبح الأعشى، ج ٤، ص ٢٣٦ - ٢٣٧ لسان العرب، مادة "صنج".
(٣) سورة المطففين، آية رقم (٨٣).
(٤) "وثلاثين" كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٥) "في كل ليلة صبيحة" في الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية حيث ينقل عنه العيني، ج ١٣، ص ١١٦.
(٦) "أمر" كذا في الأصل، والمثبت هو الصحيح لاستقامة المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>