للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأموال الديوانية، ورد عليهم ما كان استخرج منهم قبل ذلك من المظالم، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار يوفي بها ديون من في سجونه من المدينين الذين لا يجدون وفاء، وفرق على العلماء بقية المائة ألف. وقد لامه بعض الناس في هذه التصرفات. فقال: إنما فتحت الدكان بعد العصر، فما قدر ما أكسب؟ وأفعل الخير، وكم مقدار ما أعيش؟ ولم تزل هذه سيرته حتى توفي (رضي الله عنه) في العام الآتي (١) على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. ورخصت الأسعار في أيامه، وقد كان قبل ذلك في غاية الغلاء. حتى حكى ابن الأثير، أنه أكلت الكلاب والسنانير (٢) ببلاد الجزيرة والموصل، فزال ذلك. وكان الظاهر حسن الشكل، مليح الوجه، أبيض مشربا حمرة، حلو الشمائل، شديد القوى (٣).

وفي تاريخ بيبرس: بويع له في الثاني من شوال من هذه السنة عند وفاة والده، وهو شيخ متقدم في العمر فقال: متى يستفتح من يفتح دكانه بعد العصر؟ وفي المرآة (٤): كان الإمام الناصر خطب لابنه الظاهر بولاية العهد في سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وعمره إذ ذاك أربع عشرة سنة؛ لأنه ولد في المحرم سنة سبعين وخمسمائة، وخطب له على المنابر، وعزله في سنة إحدى وستمائة، ثم أعيد إلى العهد في سنة ثماني عشرة وستمائة، ولما مات أبوه استدعى القمى تقى الوزير وقشتمر والأعيان إلى البدرية (٥) فشاهدوا الناصر ميتًا مسجى فبايعوا أبا [١٦] نصر محمدا ولقبوه بالظاهر بأمر الله، وهذه البيعة الخاصة ثم بويع البيعة العامة، حضر القضاة والأعيان فبايعوه وصلى على أبيه بالتاج، وعمل العزاء ثلاثة أيام وفرق الأموال وأبطل المكوس وأزال المظالم (٦).


(١) "الماضي" في الأصل والتصحيح من البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١١٦. حيث ينقل عنه العيني.
(٢) السنانير: المفرد "السَّنور" وهو الهرّ، والأنثى سنورة.
صبح الأعشى، ج ٢، ص ٥٠، ص ٥١: المصبّاح المنير، مادة "سَنَر".
(٣) إلى هنا توقف العينى عن النقل من البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١١٥ - ص ١١٦.
(٤) سبط ابن الجوزي، ج ٨، ص ٤١٩.
(٥) البدرية: إحدى مدارس الحنفية قبالة الشبلية، بالجبل عند جسر كحيل، وقد بناها الأمير بدر الدين حسن بن الداية المعروف بلالا سنة ٦٣٨ هـ. انظر: الدارس في تاريخ المدارس، ج ١، ص ٤٧٧.
(٦) إلى هنا توقف العينى عن النقل من سبط ابن الجوزي، ج ٨، ص ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>