للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَهْرُوز (١)، وكان من أظرف الناس، وألطفهم، وكان بينه وبين شاذي أخوة أكيدة، فجرت لبهروز قضية في دوين، فخرج منها حياءً. وذلك أنه أتهم بزوجة بعض الأمراء بدوين، فأخذه صاحبها فخصاه. فلما جرى له ذلك، لم يقدر على الإقامة، فخرج وقصد خدمة أحد الملوك السلجوقية، وهو السلطان مسعود بن غياث الدين محمد بن ملكشاه (٢)، واتصل باللالا (٣) الذي لأولاده، فوجده لطيفًا كافيًا في جميع الأمور، فتقدم عنده وفوض إليه أموره، وجعله يركب مع أولاد السلطان مسعود إذا كان له شغل. فرآه السلطان يومًا مع أولاده فأنكر علي اللالا، فقال: إنه خادم، وأثنى عليه وشكر دينه ومعرفته، ثم صار يسيره إلى السلطان في الأشغال، فخف على قلبه، فلعب معه الشطرنج والنرد (٤)، فحظي عنده، واتفق موت اللالا فجعله السلطان مكانه، وسلم إليه أولاده، وأرصده لمهماته، وسار ذكره في تلك النواحي. فسير إلى شاذي يستدعيه من بلده؛ ليشاهد ما صار إليه من النعمة والدولة، وليقاسمه ما خوله الله تعالى، وليعلم أنه ما نسيه. فلما وصل إليه بالغ في إكرامة والإنعام عليه، واتفق أن السلطان رأى أن يسير المجاهد المذكور إلى بغداد واليًا ونائبًا عنه بها، وكذا كانت عادة الملوك السلجوقية في بغداد، يُسيرون إليها النواب، فاستصحب معه شاذي، فسار هو وأولاده صحبته، وأعطى السلطان لبهروز قلعة تكريت (٥)، فلم يجد من يثق إليه في أمرها سوى شاذي، فأرسله إليها، فمضى وأقام بها مدة، وتوفي بها، فولي مكانه نجم الدين أيوب، فنهض في أمرها، وشكره بهروز وأحسن إليه. وكان أكبر سنًا من أخيه أسد الدين شيركوه. ثم أن شيركوه رأى يومًا امرأه تبكي


(١) جمال الدولة مجاهد الدين بهروز: كان خادمًا روميًا تولى شحنة بالعراق من جهة السلطان مسعود بن غياث الدين محمد بن ملكشاه السلجوقي، وكانت تكريت إقطاعًا له، وبني في بغداد رباطًا وقف عليه وتوفي سنة ٥٤٠ هـ /١١٤٥ م وبهروز لفظ أعجمي معناه جيد.
انظر: وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٤١ - ١٤٢.
(٢) أبو الفتح مسعود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، الملقب غياث الدين، أحد ملوك السلجوقية المشاهير، رباه بالموصل الأمير مودود ثم آق سنقر البرسقي، توفي سنة ٥٤٧ هـ/ ١١٥٢ م.
انظر: وفيات الأعيان، ج ٥، ص ٢٠٠ - ٢٠٢؛ شذرات الذهب، ج ٤، ص ١٤٥.
(٣) اللالا: لفظ فارسي، معناه هذا الشخص المكلف بالعناية بالأطفال -أى مربي الطفل. انظر: السلوك، ج ١ ق ٢، ص ٤١٨، هامش (٣).
(٤) النرد: شيء يلعب به، وهو لفظ فارسي معرب "نردشير" انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة "نرد".
(٥) تكريت: بفتح التاء وكسرها غربي دجلة بين بغداد والموصل وهي إلى بغداد أقرب. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٨٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>