للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تولي استقلالا، ثم ترتب في جملة الحجاب (١)، وكان ذا لسان جليد (٢)، مقداما على السلطان، فصيحا في اللغة التركية، واستمر به الحال في الحجوبية إلى أن جرت قضية ماء السند على ما ذكرناه، فهلكت أرباب الدولة، وساعدته المقادير إلى أن توزر، ونال عند السلطان ما لم ينله أحد، وكان لجلال الدين وزير بالعراق يقال له شرف الدين على ابن الفضل، من رؤساء تفرش وهي كورة من كور العراق، وكان مستوفي العراق عند السلطان محمد بن غُورسا، ونكب في أيام غياث الدين، ولما طلع جلال الدين من الهند وصَفَا له مُلك العراق بادر إلى خدمته، فاستوزره في جميع العراق، وحَكَّمه في الرقاب والأموال، ولم يتول حكم العراق بأسرها وزير قبله بَل كان في كل مدينة وزير، ثم اتفق وزير الري نظام الدين، ومستوفيهما أوحد الدين، وقاضي أصفهان ركن الدين مسعود بن صاعد على مرافقته والطعن عليه، وواطأهم شرف الملك، فأمر جلال الدين أن يعقد شرف الملك لهم مجلسًا يسمع فيه مرافعتهم بحضرة سائر أرباب المناصب بالديوان، وجلس السلطان ينظر إليهم من شبابك يسمع مقالتهم وهم لا يعلمون. ولما علم شرف الدين بأن شرف الملك الوزير يواطئهم على ما اتفقوا عليه من المرافعة حسدًا ومكرا، أرضى السلطان في السير بمائة ألف دينار يحملها إلى الخزانة على أنه لا يقبل قولهم فيه، وكان السفير في ذلك ملك الخواص تاج الدين قليج، فرضي السلطان بذلك وأولئك لا يعلمون [ولا] (٣) يدرون، ولم يقم شرف الدين من مجلسه إلا وهو مستمر على ما كان عليه من الحكم والجاه بعامة مدن العراق، وكاد شرف الملك الوزير أن يموت كمدًا، ورسم السلطان على المذكورين المرافعين يطالب كل واحد منهم بعشرين ألف دينار وثلاثين ألف دينار (٤). وقد وعدنا أن نذكر بعد ماجريات بني أيوب، وماجريات جلال الدين، وفاة الملك المعظم، ووفاة سلطان الغرب، وهلاك جنكيز خان عليه اللعنة.


(١) الحجَّاب: مفردها حاجب، وقد كانت الحجابة من أهم مميزات السلطنة عند الخوارزمين وخاصة في أواخر أيامهم إذ كان للخوارزميين حجاب مهمتهم حجب السلطان عن العامة وغلق بابه دونهم أو فتحه لهم في الأوقات المناسبة وليس هناك من شك في أن تمسك الحكام بالحجابة كما يرى ابن خلدون لمن أقوى الأدلة على ضعفهم.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٦٢، حاشية (٢).
(٢) جليد: ذو قوة وصبر، والجليد ما يجمد على الأرض من الماء، جلده جلدا أي السياط ضربه بها. المنجد، مادة (جلد).
(٣) ما بين حاصرتين إضافة من سيرة منكبرتي، ص ٢٢٦، لاستقامة المعنى.
(٤) وردت هذه الأحداث بتصرف في سيرة منكبرتي، ص ٢٢٥ - ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>