للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السبط (١): حكي لي نجم الدين بن سلام قال: غرم عليهم في تسعة أشهر تسع مائة ألف درهم، واشتد مرضه وأصابه ذرب عظيم، بحيث أنه رمي قطعة من كبده ومصرانًا، وكثرت الأقوال أنه سُقى السم، واتهم به جماعة، وآخر عهدي به ليلة الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة، دخلت عليه آخر النهار وعنده ولده الملك الناصر داود، وكريم الدين الخلَّاطى، ويعقوب الحكيم في محفة، قد زمن وقد تغيرت أحواله، وطالع الموت في محاسن وجهه، فبكيت فقال: حاشاك حاشاك. وتحته طراحة خفيفة بندقي ومخدة ولحاف من جنسها، وعلى رأسه كوفية، وعند رأسه صينية إسبادروة فيها تراب، فقلت: لكريم الدين ما هذه؟ قال: يتمم لكل صلاة، وكان المعظم يقول: والله ما فاتني صلاة قط، وتوفي ثالث ساعة من نهار الجمعة أول يوم من ذي الحجة وغسله النجم خليل وكريم الدين يصب عليه، وكان [قد] (٢) أوصى أن لا يدفن في القلعة، ويخرج إلى الميدان ويصلى عليه، ويدفن بقاسيون على باب تربة والدته تحت الشجرة، فلم تنفذ وصيته، ودفن في القلعة، ثم أخرج بعد ذلك بمدة لما ملك الأشرف دمشق على حال غير مرض (٣) بين يديه نصف شمعة، والعزيز خليل معه، وبلغني أن الحمالين طلبوا مايربطونه به على النعش، فقيل له: اربطوه بعمامتكم، ودفن مع والدته في القبة عند الباب وفيها أخوه المغيث، وعملنا له العزاء ثلاثة أيام في جامع دمشق، وجرى على الرعية في وفاته ما لم يجر على غيرهم لموت أحد من الملوك، رأيت بنات البيوت اللاتي لم يخرجن قط من خدورهن من أوائل الليل أتين إلى تحت القلعة، قد شققن ثيابهن، ونشرن شعورهن، ومعهن الدرادك (٤)، فيلطمن عليه، ويقلن: يا صيحة يا معظم. ثم يمشين في الأسواق، ويلطمن إلى الصباح، أقمن على ذلك شهرًا، وكذا في الميادين طول النهار (٥).


(١) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٧.
(٢) ما بين حاصرتين إضافة من السيط الذي ينقل عنه العيني، ج ٨، ص ٤٢٨.
(٣) "مرضي" كذا في الأصل، وما أثبتناه هو الصحيح لغة.
(٤) الدرادك: كلمة فارسية ومعناها جرس.
المعجم الذهبي، فارسي - عربي، د / محمد التونجي، ص ٢٥٨.
(٥) ورد هذا الخبر في نهاية الأرب، ج ٢٩، ص ١٤٣؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٧ - ص ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>