للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تاريخ بيبرس: وفيها نهب جلال الدين خلاط وما حولها، وذلك أنه لما فرغ من حرب التتار وهزمهم، ووصل إلى أذربيجان بعساكره قصد خلاط، وتعداها إلى صحراء موش (١) وجبل جور (٢)، ونهب الجميع، وسبي الحريم والأولاد، وقتل الرجال، وخرب القرى، وعاد إلى بلاده، وخاف أهل حران والرها وسروج وسائر بلاد الملك الأشرف، وعزم بعضهم على الانتقال إلى الشام، ووصل بعض أهل سروج إلى منبج (٣)، وكان الوقت شتاء فسقط ببلاد خلاط ثلج كثير لم يعهد مثله، فعاد جلال الدين إلى بلاده (٤). وفيه أيضا وفيها وقع الخلف بين جلال الدين وبين غياث الدين تترشاه أخيه، وذلك أنه لما ضاق حال غياث الدين فارقته جماعة من سرهنكيته (٥)، وانحازوا إلى نصرة الدين محمد بن الحسن بن خرميل، وقد كان جلال الدين صَيِّرهُ شحنة (٦) على أصفهان حين ملكها، وعين له بها إقطاعا جليلا، ولما أقام جلال الدين بأصفهان على نية لقاء التتار، اتخذه لمنادمته لأنه كان كثير الفكاهة، حسن المحاضرة، فاجتمعوا في بعض الليالي في مجلس جلال الدين على الشرب بحضور غياث الدين، فلما لعب الشمول (٧) بالعقول، ودارت الكؤس بالرؤس، قال غياث الدين لنصرة الدين: هلا ترد غلماني إلى بابي؟ فأجابه نصرة الدين بجواب غير لائق، وقال له: الغلمان يخدمون من يطعمهم ولا يصبرون على الجوع. فغضب غياث الدين، وأخذ يكرر الكلام، فلما أحس السلطان بغيظه أمر نصرة الدين بالقيام، فقام وخرج، وتبعه غياث الدين إلى داره، فقتله في تلك الليلة، فحزن السلطان عليه، وغضب بسببه على أخيه، وقال: إنك حلفت أن تكون


(١) مَوش: بلدة من ناحية خلاط بأرمينية. انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٦٨٢.
(٢) جبل جور: اسم لكورة كبيرة متصلة بديار بكر من نواحي أرمينية، وفيها قلاع وقرى.
انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ٢٠.
(٣) منبج: مدينة كبيرة ذات خيرات كثيرة، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ.
انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٦٥٤ - ص ٦٥٦.
(٤) وردت هذا الأحداث في الكامل، ج ١٢، ص ٤٨١؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ٢٣٥؛ المختصر في أخبار البشر، ج ٣، ص ١٤١؛ السلوك، ج ١ ق ١، ص ٢٢٨.
(٥) سرهنكية: سرهنك هي رتبة عسكرية. انظر: سيرة منكبرتي، ص ١١٧، حاشية (٥).
(٦) شحنة: أي رياسة الشرطة ويسمى متوليها صاحب الشحنة. السلوك، ج ١ ق ١، ص ٣٥.
(٧) الشمول: الخمر، انظر: مادة "شمل"، لسان العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>