للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المرآة (١): وفي سنة ست وعشرين وستمائة توفي أقسيس الملك المسعود بن الكامل صاحب اليمن، وكان قد بلغه موت الملك المعظم في سنة خمس وعشرين وستمائة، فطمع في الشام فتجهز جهازا لم يسبقه إليه أحد من الملوك، ونادي في بلاد اليمن في التجار من أراد صحبة السلطان إلى الديار المصرية فليتجهز، فجاء التجار من الهند بأموال الدنيا، والأقمشة والجواهر، فلما تكاملت المراكب بزبيد (٢) جمع التجار، وقال: اكتبوا إلى بضائعكم وما معكم، لأحميها من الزكاة والمؤن، فكتبوها له، فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن، ففعل بالجميع كذا، فاجتمعوا واستغاثوا، وقالوا: نحن قد جئنا من بلدان شتي، وفينا من أهل اسكندرية والقاهرة ومصر والشام والروم، ولنا مدة سنين عن أهلنا، وقد اشتقنا إليهم فخذ أموالنا وأطلقنا نروح إلى أهلنا، فلم يلتفت إليهم وأخذ الجميع. قال السبط (٣): فبلغني أنه كان نقله في خمسمائة مركب، ومعه ألف خادم، ومائة قنطار عنبر وعود ومسك، ومائة ألف ثوب، ومائة صندوق أموال وجواهر، وركب الطريق إلى مكة، ولما وصل بعض الطريق مرض مرضا مزمنا، فما دخل مكة -شرفها الله- إلا وقد فلج (٤) ويبست يداه ورجلاه، ورأى في نفسه العبر، فلما احتضر بعث إلى رجل مغربي بمكة، فقال: والله ما أرضى لنفسي من جميع مامعي كفنا أتكفن به، فتصدق على بكفن. فبعث له نَصْفِيّتَيْن (٥) بغدادي، ومائتي درهم، فكفنوه فيهما، ودفن بالمعلى. قال السبط (٦): وبلغني عن الكامل أنه سر بموته، ولما جاء خزنداره إليه ما سأله كيف مات، بل قال: كم معك من المال والتحف؟ قال: وقد ذكرنا ما فعل الأقسيس وضربه في الحرم بالبندق (٧)، فعوقب سريعا، وضربه القدر ضربا وجيعا.


(١) سبط ابن الجوزي، ج ٨، ص ٤٣٥.
(٢) زبيد: مدينة مشهورة باليمن، أحدثت في أيام المأمون، وبإزائها ساحل غلافقه وساحل المندب. انظر: معجم البلدان، ج ٨، ص ٤٣٥.
(٣) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٣٥.
(٤) فُلجَ: أى انقسم جسمه نصفين والفالج أيضا هو ريح يأخذ الإنسان فيذهب بشقه وقد فُلج أي ذهب نصفه، وهو داء الأنبياء، وهو داء معروف يرخي بعض البدن، لسان العرب، مادة "فلج".
(٥) نَصفِيَّتَين: المفرد نصفية وهو نوع من القماش الرقيق أي المصقول من الحرير أو التيل.
انظر: مصطلحات صبح الأعشي، ج ١٥، ص ٤٣٧.
(٦) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٣٥.
(٧) البندق: ويسمى أيضا "الجلاهق" استعمل أيام المماليك في مصر لإطلاق كرات الرصاص. وهو قوس يتخذ من القنا ويلف عليه الحرير ويغرى، وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرمي، وقد كان للبندق سوق خاص في مصر عرف باسم: البندقانيين.
انظر: مصطلحات صبح الأعشي، ج ١٥، ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>