للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما حضر قال: إن الضر قد اتضح، وإن الطائفتين قد هلكتا، فهل لك أن تبارزني فيعود الأمر إلى فيصل؟ فقال السلطان: ومتى يكون ذلك؟ قال: بكرة غد. فلبس السلطان لأمة (١) حربه صباح غد، وبلغ ذلك الوزير (٢)، فأسرع إليه، وقال: مجير الدين ليس من أقران السلطان، وليس يليق بالسلطان أن يبارزه، ولو علمنا أن السلطان إذا أهلكهـ حصل مقصوده لرضينا به، فقال السلطان: هو كما ذكرت، ولكن كيف لا أقاتل إذا دُعِي نزال؟ ثم ركب وحده، وساق على الميعاد، ووقف وأعلم بحضوره، فشتموه وأمطرت عليه السهام، ولم يخرج مجير الدين، فرجع السلطان (٣).

ومنها ما قاله أبو الفتح: إن السلطان استحضرني ليلة، فوجدت عنده عجوزا ذات هيبة قد خرجت من خلاط برسالة مزورة من الزكي العجمي، وكان من ذوي الحظ عند الملك الأشرف، والسلطان يعبّر عن لسانها بثلاث لغات: الفارسية، والتركية، والأرمنية، ورسالتها أن الزكي العجمي استدعي من السلطان خمسة آلاف دينار يفرقها في الأجناد، فيجلب (٤) أهواءهم بها إلى السلطان، حتى يرضوا بتسليم خلاط، ثم يفتح باب الوادي صباح غد فيدخل السلطان. فلما شاورني في ذلك قلت: إن الزكي من دهاة عصره ومن لا [يخفى] (٥) عليه الخطأ، وهو رجل عاقل لا يدخل في مثل هذه القضية، وأنا أعرفه حين ورد رسولا على السلطان، ومع هذا رأيت السلطان لشدة حرصه على أخذ خلاط، قد عزم على تسليم المطلوب إلى العجوز، فلما كررت عليه الكلام رجع عن ذلك، ولكن حرصه على أخذ خلاط حمله على أن أعطاها ألف دينار، وقال لها: إن بان لي صدفك بعلامة أخرى سلمنا إليك خمسة آلاف دينار، فرجعت ليلا ودخلت خلاط، وما كان للحديث أصل، وشاع الخبر في العسكر، وجاء إلى عز الدين أيبك من أخبره بأن الزكي بكاتب جلال الدين، فقتله من [١١٢] غير ذنب صدر منه، ولما ملك السلطان


(١) لأمة الحرب: هي أداة الحرب كلها من رمح وبيضة ومغفر وسيف ودرع، وقيل: إنها الدرع الحصينة، وسميت الأمة لإحكامها وجوده حلقاتها، والجمع لأم.
انظر: المعجم الوسيط، مادة لأم؛ لسان العرب.
(٢) يقصد بالوزير "شرف الملك". انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣١٣.
(٣) ورد هذا الخبر في سيرة منكبرتي، ص ٣١٣.
(٤) "فتجلب" كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه لاستقامة المعنى.
(٥) ما بين حاصرتين إضافة من سيرة منكبرتي لاستقامة المعنى، ص ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>