للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقف على سكان الحرمين، وأقطع أمراء العرب القطائع؛ لئلا يتعرضوا للحاج. وأمر بإكمال سور المدينة، وأجرى إليها العين التي تأخذ من أُحُد من عند قبر حمزة (- رضي الله عنه -).

وبنى الرُبط والحانات والقناطر، وجدد كثيرا من قني السبيل، ووقف كتبا كثيرة في مدارسه. وأول من بنى دار العدل بدمشق، وقد ذكرناه.

وبني جامعا في الموصل، وفوض عمارته إلى الشيخ عمر المُلا، وكان من الصالحين، وإنما سمي المُلا؛ لأنه كان يملأ تنانير الآجر، ويأخذ الأجرة فيتقوت بها، وكان لا يملك شيئا من الدنيا، وكان عالما بفنون العلوم، وجميع الملوك والعلماء والأعيان يزورونه ويتبركون به. وصنف كتاب سيرة النبي (- صلى الله عليه وسلم -). وكان يعمل بمولد رسول الله (عليه السلام) في كل سنة، ويحضر عنده صاحب الموصل والأكابر، وكان نور الدين يحبه ويكاتبه.

وكان مكان الجامع النوري (١) خربة واسعة، ما شرع أحد في عمارتها إلا وقصر عمره، فأشار عمر على نور الدين بعمارتها جامعا، فاشتراها، وأنفق عليها أموالا كثيرة، يقال ستون ألف دينار، ويقال ثلثمائة ألف دينار، فتم في ثلاث سنين. ولما تم، جاء نور الدين إلى الموصل، وهي المرة الأخيرة، فصلى فيه، ووقف عليه قرية بالموصل، ورتب فيه الخطيب والمؤذنين والحصر والبسط وغيرها. ثم دخل عمر المُلا على نور الدين وهو جالس على دجلة، فوضع بين يديه أوراق الحساب والخرج، وقال: يا مولانا أشتهي أن تنظر فيها، فقال له نور الدين: يا شيخ نحن عملنا هذا لله، دع الحساب إلى يوم الحساب، ثم رمى بالأوراق في الدجلة (٢).


(١) يقصد جامع الموصل السابق ذكره. وعن قصة بناء الجامع النوري بالموصل انظر: الباهر، ص ١٧٠؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٥.
(٢) انفرد السبط بذكر هذه الحادثة. انظر: مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>