للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الأثير (١): وبني جامع حماة (٢) على العاصي (٣)، وهو من أحسن الجوامع. قال (٤): ووقع بيد نور الدين إفرنجي (٥) من أكابر الملوك، ففدى نفسه بمال عظيم، فشاور نور الدين أمراءه، فأشاروا ببقائه في الأسر؛ خوفا من شره، فأرسل إليه نور الدين في السر، يقول: أحضر المال، فأحضر ثلثمائة ألف دينار، فأطلقه نور الدين، فعند وصوله إلى مأمنه مات. وطلب الأمراء سهمهم من المال، فقال نور الدين: ما تستحقون منه شيئا؛ لأنكم نهيتم عن الفداء، وقد جمع الله لي الحُسْنَيْين: الفداء، وموت اللعين وخلاص المسلمين منه. فبنى بذلك المال مارستان دمشق، ومدرسة ودار الحديث بدمشق (٦)، ووقف عليها الأوقاف.

قال ابن الأثير (٧): وبلغني أن أوقاف نور الدين في أبواب البر بالشام في وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وستمائة، كل شهر تسعة آلاف دينار صورِية (٨)، ليس فيها مِلك، بل حق ثابت بالشرع باطنا وظاهرا، صحيح الشراء.

وقال السبط (٩): أما في زماننا هذا فقد تشعَّث وقفه، وتغيرت صفاته، ولم يبق منه إلا آثاره وبركاته.


(١) انظر: الباهر، ص ١٧٠، حيث ينقل العينى عنه بتصرف؛ المرآة، ج ٨، ص ١٩٥؛ الروضتين، ج ١ ق ١، ص ٢١.
(٢) جامع مفرد مشرف على نهرها، المعروف بالعاصي، عليه عدة نواعير تستقى الماء من العاصي فتسقي بساتينها وتصب إلى بركة جامعها. انظر: معجم البلدان ج ٢، ص ٣٣١، مادة "حماة"؛ خطط الشام، ج ٦، ص ٦١.
(٣) اسم نهر حماة وحمص، مخرجه من بحيرة قَدَسْ ومصبه في البحر قرب أنطاكية. والعاصي ضد الطائع. وقد سمي بذلك لأن أكثر الأنهرُ تتوجه ذات الجنوب، وهو يأخذ ذات الشمال. انظر: معجم البلدان، ج ٣، ص ٥٨٨.
(٤) القول هنا ليس لابن الأثير. فقد ذكر ابن الأثير، أن نور الدين أطلق بيمند صاحب أنطاكية بمال جزيل أخذه منه، وأسرى كثيرة من المسلمين أطلقهم". انظر: الباهر، ص ١٢٥؛ الكامل، جـ ٩، ص ٤٦٩، أحداث سنة ٥٥٩ هـ. أما عن تفصيل هذه النادرة وارتباطها ببناء مارستان دمشق، انظر: مرآة الزمان، جـ ٨، ص ١٩٦ - ١٩٧؛ الروضتين، ج ١ ق ١، ص ٢١؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٠٠.
(٥) هو: البرنس بوهيموند الثالث صاحب أنطاكية. ويطلق عليه العرب بيمند. وقد أسره نور الدين في معركة حارم مع عدة من ملوك الفرنج وذلك في سنة ٥٥٩ هـ/ ١١٦٤ م. انظر: الباهر، ص ١٢٥؛ حسين مؤنس: نور الدين محمود، ص ٢٩٤ - ٢٩٧.
(٦) عن مدرسة ودار الحديث النورية بدمشق انظر: الدارس، ج ١، ص ٦٠٨ - ٦١١؛ الباهر، ص ١٧٢.
(٧) نقل العينى هذا النص بتصرف من الباهر، ص ١٧٢. انظر أيضًا: مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٥؛ الروضتين، ج ١ ق ١، ص ٢٣.
(٨) الدنانير الصورية: هي الدنانير المسكوكة التي يؤتي بها من البلاد الإفرنجية والروم، وهي مشخصة، على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه. ويعبر عنها بالإفرنتية. انظر: صبح الأعشي، ج ٣، ص ٤٣٧.
(٩) انظر: مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>