للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسار صلاح الدين جريدة (١) في سبعمائة فارس، ووصل إلى دمشق واستقر فيها، ولم ينتطح عنزان ولا اختلف سيفان، وذلك أن نائبها شمس الدين بن المقدم كان قد كتب إليه أولا فأغلظ لرمي الكتاب، فلما رأى أمره متوجها، جعل يكاتبه ويستحثه على القدوم [إلى دمشق] (٢)، ويعده بتسليم البلد، فلما رأى الجد لم يمكنه المخالفة، فسلمه البلد، فنزل السلطان "صلاح الدين" (٣) أولا في دار والده، وهي دار العقيقي، وهي التي بنيت مدرسة للملك الظاهر بيبرس (رحمه الله)، ولما ثبت أمره بها، أستخلف بها أخاه سيف الإسلام طغتكين، وأخذ ما في القلعة من الأموال، ثم سار إلى حمص مستهل جمادى الأولى، ونزل عليها في حادي عشر جمادى الأولى، وملك المدينة، وعصت عليه القلعة، فترك عليها من يضيق عليها.

ورحل إلى حماة، وملك مدينتها مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة، وكان بقلعتها عز الدين جُرديك أحد المماليك النورية، فامتنع، فذكر له صلاح الدين أنه ليس له غرض سوي حفظ بلاد الملك الصالح بن نور الدين عليه، وإنما هو نائبه. وقَصَدَ جُرديك من صلاح الدين أن يكون سفيره بينه وبين الحلبيين، فأجابه إلى ذلك، فسار جرديك إلى حلب للرسالة، واستخلف في قلعة حماة أخاه، فلما وصل جُرديك إلى حلب قبض عليه كمشتكين وسجنه (٤)، فلما علم بذلك أخوه، سلم قلعة حماة إلى صلاح الدين، فملكها، ثم سار صلاح الدين إلى حلب، فنازلها على جبل جَوشَن (٥) وحصرها، فاجتمع أهل حلب وقاتلوا صلاح الدين، وصدوه عن حلب، فأرسل كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية (٦) أموالا عظيمة، ليقتلوا صلاح الدين. ووثبوا


(١) جريدة: فرقة من العسكر الخيالة لا رجالة فيها، والمقصود بها سير السلطان على وجه السرعة دون أن يأخذ أثقالًا أو حشدًا. المعجم الوسيط، مادة "جرد".
(٢) ما بين الحاصرتين إضافة من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٢٨٨.
(٣) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٢٨٨ - ٢٨٩، الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٠٧ - ٦٠٨؛ السلوك، ج ١ ق ١، ص ٥٨ - ٥٩.
(٥) جبل جوشن: بالفتح ثم السكون وشين معجمه في غربي حلب. انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ١٥٥.
(٦) سنان مقدم الإسماعيلية: هو أبو الحسن سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الإسماعيلية، ومقدم الفرق الباطنية بالشام، وإليه تنسب الطائفة السنانية. وفيات الأعيان، ج ٥، ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>