للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحد التاسع عشر من شهر رمضان، عند قرون حماة فصبر صبرًا عظيما، وجاءه في أثناء الحال ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه، ومعه أخوه فرخشاه في طائفة من الجيش، وقد ترجح دِسْتَهُ عليهم، وخلص رعبه إليهم، فانهزموا وولوا مدبرين. وغنم صلاح الدين وعسكره أموالهم، فأسر منهم من أسر من رؤسائهم، ونادي أن لا يتبع مدبر، ولا يذفف (١) على جريح، ثمَّ أطلق من وقع في أسرِه منهم، وسار على الغور حتي نازل حلبَ. فانعكس عليهم الحال، فبالأمس كان يطلب منهم المصالحة، واليوم هم طلبوا منه أن يكف عنهم، ويسير عنهم، على أن له المعرة (٢) وكفر طاب (٣) وبارين (٤) زيادة على ما بيده من أراضي حماة وحمص وبعلبك مع دمشق، فقبل منهم وكف عنهم، وحلف أن لا يغزو بعدها الملك الصالح، وأن يدعو له على سائر منابر بلاده وممالكه. وشفع في بني الداية أخوة مجد الدين، أن يخرجوا من السجن، ففعلوا ذلك، ثم رجع مؤيدًا منصورًا.

فلما وصل إلى حماة وصل إليه رسل الخليفة المستضيء بأمر الله، ومعهم الخلع السنية، والتشريفات العباسية، والأعلام السُّود، وتوقيع من الديوان بالسَلطنة ببلاد مصر والشام، وأفيضت الخلع على أهله وأقاربه وأصحابه وأصهاره وأعوانه وأنصاره، وكان يومًا مشهودا.

واستناب على حماة ابن خاله وصهره الأمير شهاب الدين محمود، ثم سار إلى حمص فأطلقها لابن عمه ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه، كما كانت لأبيه من قبل، ثم إلى بعلبك، ثم إلى البقاع (٥)، ثم إلى دمشق في ذي القعدة من هذه السنة (٦).


(١) ذف على الجريح ذفًا وذفافًا، أجهز عليه. انظر ابن منظور، القاموس المحيط، مادة ذفف.
(٢) المعرة: يقصد بها هنا معرة مصرين وهي بليدة وكورة بنواحي حلب. انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٥٧٤.
(٣) كفر طاب: بلدة بين المعرة ومدينة حلب. انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ٢٨٩.
(٤) وبارين: بلدة تقع بين حلب وحماة من جهة الغرب. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٤٦٥ - ٤٦٦؛ وقد أوردها ابن كثير "ماردين" وهو خطأ. انظر: البداية والنهاية، ج ١١، ص ٢٩٠.
(٥) البقاع: أرض واسعة بين حمص وبعلبك ودمشق. انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ٦٩٩.
(٦) ورد هذا النص بتصرفه في البداية والنهاية، ج ١١، ص ٢٩٠ - ٢٩١؛ الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٦٣٨ - ٦٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>