للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أن ابن الجوزي (١) قال: وسُلمت إلىَّ المدرسة التي بباب الأزج (٢)، وكانت دار الوزير ابن جهير، وكانت بنفشَة (٣) جهة (٤) الخليفة المستضيء بأمر الله قد اشترتها وأوقفتها على أصحاب أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وفوضت أمرها إلىَّ، وأوْقَفَت عليها قرية. وحضر درسي (٥) قاضي القضاة (٦)، وحاجب (٧) الباب، وأرباب الدولة، وخُلعَ علَىَّ خلعةً نفيسةً، وذكرتُ دروسًا كثيرة، وكان يومًا مشهودًا، وخرجتُ وبين يدى الدُعاة، وارتفعت الأدعية للخليفة، ووقفت الناسُ صفوفًا مثل يوم العيدين. قال: وأصاب أهل المذهب -يعني الحنابلة- من ذلك غم عظيم؛ لأنهم حسدوني، وجلستُ تحت المدرسة يوم الأربعاء في شوال، فكان الجمع زيادة على خمسين ألفًا، فازداد غم أهل المذهب. وكان يقول ابن الجوزي (٨): "والله لولا أحمد والوزير ابن هبيرة لانتقلت عن المذهب، فإني لو كُنت حنفيًا (٩) أو شافعيًا لحملني القوم على رؤسهم".

ومنها أن السلطان صلاح الدين استخدم في هذه السنة العماد الكاتب (١٠)؛ وسببه أنه التقى القاضي الفاضل على حمص، ومدحه بأبيات من الشعر، فدخل الفاضل على صلاح الدين وقال له: غدًا يأتيك تراجم الأعاجم، وما يحلها مثل العماد، فقال: مالي


(١) المنتظم، ج ١٨، ص ٢١٤.
(٢) باب الأزج: محلة كبيرة شرق بغداد بها العديد من الأسواق. معجم البلدان، ج ١، ص ٢٣٣.
(٣) بنفشة: هي بنت عبد الله الرومية كانت من خواص سواري الخليفة المستضيء بالله، توفيت سنة ٥٩٨ هـ/ ١٢٠٢ م. انظر: ابن الساعي، نساء الخلفاء، ص ١١١، ١١٥ (ذخائر العرب رقم ٢٨).
(٤) الجهة: هي المرأة الجليلة القدر، كما يكنى الرجل الجليل بالجناب، انظر: صبح الأعشي، ج ٥، ص ٥٠٢.
(٥) "درسي" يقصد بها درس عبد الرحمن بن الجوزي.
(٦) قاضي القضاة: من أجلِّ رتب أرباب العمائم والأقلام، ويطلق على قاضي القضاة أحيانا راعي الرعاة، ويقوم بكل الأمور الدينية كما يشرف على دار الضرب. انظر: الخطط، ج ٢، ص ٢٤٥، مكتبة الآداب؛ القلقشندي، ج ٤، ص ٣٤ - ٣٦.
(٧) حاجب الباب: وظيفة تركية تلى رتبة نيابة السلطنة، فحاجب الباب هو القائم مقام النواب في كثير من الأمور، إذ كان يقوم بالفصل في المنازعات التي تقوم بين الأجناد واختلافهم في أمور الإقطاعات ثم تطور نظام حاجب الباب وصار اسمًا لعدة جماعات من الأمراء، الخطط، ج ٢، ص ٢٤٥؛ صبح الأعشي، ج ٤، ص ١٩ - ٢٠، ص ١٨٥، ص ١٨٨.
(٨) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٠٦ وقد نقلها السبط بتصرف عن جده ابن الجوزي في المنتظم، ج ١٨، ص ٢١٤ - ٢١٥.
(٩) "شافعيًا أو حنفيًا" في نسخة ب.
(١٠) العماد الكاتب: هو أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبو الفرج محمد بن نفيس الدين أبي الرجا حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله، المعروف بابن أخي العزيز المعروف بألُهْ الملقب عماد الدين الكاتب الأصبهاني، توفي سنة ٥٩٧ هـ/ ١٢٠١ م بدمشق. انظر: وفيات الأعيان، ج ٥، ص ١٤٧ - ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>