للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعةً من العلماءِ والزهاد، ومارستانا فيه جميع ما يحتاج إليه، ومن الرواية والقرب والزاد وغيره ما لم يحمله وزير. فلما كان يوم الأربعاءِ رابع ذي القعدة ركب في شبارة (١) وعبر في دجلة إلى الجانب الغربي، وجميع أهل بغداد من الجانبين يدعون له ويبكون عليه؛ لأنه كان محسنًا إليهم بماله وجاهه ومروءته، قريبا من الناس، ولما صعد من الشبارة عند [القلعة] (٢) ركب وأرباب الدولة بين يديه، وخدم الخاصة، والنقيبان (٣)، وقاضي القضاة، ما عدا ظهير الدين بن العطار، فإنه لم يودعه. فلما ركب ضُرب البوق على عادة الوزراء، فلما وصل إلى باب قطفتا خرج عليه رجل صوفي وبيده قصة (٤)، فقال: مظلوم، فقال الغلمان: هات قصتك، فقال: ما أسلمها إلا إلى الوزير، فقال: دعوه تعال. فجاءَ إليه، فوثب عليه وضربه بسكين في خاصرته، فصاح الوزير: قتلني، وسقط من دابته، وانكشف رأسه، فغطاه بكمه، وبقي على قارعة الطريق ملقى، وتفرق من كان معه إلا حاجب الباب ابن المعوج، "فإنه" (٥) رمى بنفسه عليه، فضربه الباطني بسكين فجرحه، وظهر له رفيقان، فقتلوا وأحرقوا، وحمل الوزير إلى داره بقطفتا وحمل الحاجب إلى داره. وكان الوزير قد رأى في تلك الليلة في منامه كأنه يعانق عثمان بن عفان (- رضي الله عنه -) وكان قد اغتسل قبل أن يخرج من داره، وقال: هذا [غسل] (٦) الإسلام، وأنا مقتول بغير شك. ولم يسمع منه لما جُرِح غير قوله: الله الله، ادفنوني عند أبي. وكانت وفاته يوم الخميس، فغسل وكفن وحمل إلى جامع المنصور (٧)، "وصلى عليه ولده الأكبر، ودفن


(١) شبارة: ج. شبارات. وهي سفينة نهرية صغيرة. أكثر ما تستعمل في العراق بنهر دجلة. انظر: السفن الإسلامية، ص ٧٢ - ٧٣.
(٢) "القرية" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت بين الحاصرتين من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٢٠. حيث ينقل عنه العيني.
(٣) النقباء: جمع نقيب، وهو ممن يعملون عند السلطان أو الأمير، ويقوم بتأدية الخدمات الصغيرة لسيده. صبح الأعشى، جـ ٤، ص ٢١ - ٢٢؛ السلوك، جـ ١ ق ٣، ص ٨٣٧، حاشية ٢.
(٤) القصة: هي طلب أو التماس، يقدمه صاحب الحاجة أو الشكوى إلى السلطان عن طريق موظف خاص اسمه قصه دار. انظر: صبح الأعشى، جـ ٢، ص ٣٥٢، جـ ١٣، ص ١٥٤؛ سنا البرق الشامي، ص ٢٨٥، تحقيق رمضان ششن.
(٥) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٦) "رسل" في نسختى المخطوطة أ، ب؛ ومرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٢٠. وهو خطأ في النسخ، والمثبت بين الحاصرتين هو الأقرب للسياق.
(٧) جامع المنصور: ينسب إلى مشيده أبو جعفر المنصور بناه بجوار قصره المعروف بقصر الذهب، انظر: تاريخ بغداد، جـ ١، ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>