للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشطوب، فالتقوا بهم، فهزموهم بإذن الله. فاستقرت يد الملك الناصر صلاح الدين على حصن رعبان، وقد كان مما عُوِّضَ به ابن المقدم عن بعلبك. وكان تقي الدين عمر يفتخر بهذه الوقعة، ويرى أنه قد هزم عشرين ألفا، وقيل: ثلاثين ألفا بثمانمائة. وكان السبب في ذلك أنه بَيَّتَهُم وأغار عليهم وهم غارّون (١)، فما لبثوا أمامَه، بل فروا منهزمين عن آخرهم، فأكثر فيهم القتلى، واستحوذ على جميع ما تركوه في خيامهم.

ثم ركب صلاح الدين في جحافله إلى الحصن الذي كانت الفرنج قد بنوه في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وحفروا فيه بئرًا، وسلموه إلى الداوية، فقصده السلطان فحاصره ونقبه من جميع جهاته، وألقى فيه النيران، فجعله دكًا وخربه إلى الأساس، وغنم ما فيه من الحواصل، فكان فيه مائة ألف قطعة من السلاح ومن المأكل كل شيءٍ، وأخذ منه سبعمائة أسير، فقتل بعضا، وأرسل إلى دمشق الباقين، ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا. غير أنه مات من أمرائه عشرة؛ بسبب ما نالهم من الحر والوباء في مدة الحصار، وكانت أربعة وعشرين يومًا (٢).

وعاد الناس إلى زيارة مشهد يعقوب (-عليه السلام-) على العادة القديمة، وكان الحصن المذكور الذي بناه الإفرنج قريبا من صفد، وكان عرض سوره عشرة أذرع، وارتفاعه أربعون ذراعا (٣)، وكان بيت الأحزان -الذي يزعمون أن يعقوب- (-عليه السلام-) -كان- ينفرد فيه ويبكي على يوسف (٤) - كنيسةً، فجعله السلطان مسجدًا. وقد امتدحه الشعراء، فقال بعضهم وهو أحمد بن نقادة الدمشقي:

هَلاكُ الفرنجِ أَتَى عاجِلًا … وَقدْ آَنَ تَكْسِيرُ صُلْبانِها

ولو لم يكُنْ قدْ دَنا حَتْفُها … لما عمَّرَتْ بيتَ أحْزانِها (٥)


(١) "قارون" في الروضتين، جـ ٢ ق ١، ص ٢٦.
(٢) ورد في الروضتين، والبداية والنهاية، والسلوك أن مدة مقام السلطان على الحصن من حصاره إلى فتحه "أربعة عشر يومًا". انظر: الروضتين، جـ ٢ ق ١، ص ٣٠ - ٣١؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٢٤؛ السلوك، جـ ١ ق ١، ص ٦٧ (طبعة ١٩٣٤).
(٣) انظر تفصيل وصف الحصن في الروضتين، جـ ٢ ق ١، ص ٣٥.
(٤) توجد كلمة "عليه" في الأصل وقد حذفت لاستقامة النص. وتوجد تخريجة في هامش نسخة أ ولكنها غير واضحة القراءة.
(٥) انظر: تفاصيل تخريب هذا الحصن في الكامل، جـ ١٠، ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>